الْإِكْرَاهِ، وَلَمْ يَرْتَضِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا، وَقَالَ: إنَّ الْقَوْمَ لَا يَمْنَعُونَ مِنْ الشَّيْءِ مَعَ الْحَمْلِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَشَدُّ فِي الْمِحْنَةِ وَاقْتِضَاءِ الثَّوَابِ، وَإِنَّمَا الَّذِي مَنَعُوهُ الِاضْطِرَارَ إلَى الْفِعْلِ مَعَ الْأَمْرِ بِهِ.
[التَّكْلِيفُ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ عَلَى قِسْمَيْنِ]
وَقَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ هَذَا النَّقْضُ غَيْرُ وَارِدٍ، لِأَنَّ التَّكْلِيفَ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ عَلَى قِسْمَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يُكَلَّفَ بِالنَّهْيِ عَمَّا أُكْرِهَ عَلَى فِعْلِهِ كَمَنْ أَكْرَهَ رَجُلًا عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ فَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَى جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِهِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِفِعْلِ مَا أُكْرِهَ عَلَى إيقَاعِهِ، كَمَنْ تَضَيَّقَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ بِحَيْثُ لَمْ تَبْقَ فِيهِ سَعَةٌ لِغَيْرِهَا فَأَكْرَهَهُ إنْسَانٌ عَلَى فِعْلِهَا لِهَذَا هُوَ الَّذِي مَنَعَتْ الْمُعْتَزِلَةُ صِحَّةَ التَّكْلِيفِ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: مَوْضِعُ الْخِلَافِ مَا إذَا وَافَقَ دَاعِيَةَ الْإِكْرَاهِ دَاعِيَةُ الشَّرْعِ، كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ حَيَّةٍ أَوْ كَافِرٍ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِهِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ. أَمَّا مَا خَالَفَ دَاعِيَةَ الْإِكْرَاهِ دَاعِيَةُ الشَّرْعِ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ التَّكْلِيفِ، وَهَذَا أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ.
وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ ": اخْتَلَفُوا فِي الْمُكْرَهِ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ مُخَاطَبٌ بِهِ، فَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: لَا يَصِحُّ الْأَمْرُ بِالْفِعْلِ مَعَ الْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ الْأَشْعَرِيَّةُ بِجَوَازِهِ، لِأَنَّ الْعَزْمَ إنَّمَا هُوَ فِعْلُ الْقَلْبِ، وَقَدْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute