الْجِنْسِ الْعَزْمُ وَالنِّيَّةُ، وَهِيَ الْقَصْدُ إلَى الِامْتِثَالِ، وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ خَوْفًا مِنْ النَّاسِ، وَذَلِكَ كَمَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الصَّلَاةِ، فَقِيلَ لَهُ صَلِّ، وَإِلَّا قُتِلْت، أَمَّا إذَا قِيلَ لَهُ: إنْ صَلَّيْت قُتِلْت، فَظَنَّ الْقَاضِي أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ فِي ذَلِكَ، فَغَلَّطَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، وَقَالُوا: لَا خِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالصَّلَاةِ مَأْمُورٌ بِهَا. وَإِنْ رُخِّصَ لَهُ فِي تَرْكِهَا، فَلَيْسَ التَّرْخِيصُ مِمَّا يُخْرِجُهُ عَنْ حُكْمِ الْخِطَابِ، وَإِنَّمَا يَرْفَعُ عَنْهُ الْإِكْرَاهُ الْمَأْثَمَ، وَهَذَا الْغَلَطُ الْمَنْسُوبُ إلَى الْقَاضِي لَيْسَ بِقَوْلٍ لَهُ، وَإِنَّمَا حَكَاهُ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ " عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ.
قَالُوا: لَا يُتَصَوَّرُ الْقَصْدُ وَالْإِرَادَةُ إلَى الْفِعْلِ مَعَ الْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ انْكِفَافُهُ عَنْهُ مَعَ الْإِكْرَاهِ، فَكَذَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْقَصْدُ إلَى الِامْتِثَالِ، وَبِهِ يَتَعَلَّقُ التَّكْلِيفُ، وَإِنَّمَا غَلِطَ إذَنْ مِنْ نَسَبَ إلَيْهِ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ هَذَا الْقَوْلَ الَّذِي أَبْطَلَهُ، وَإِنَّمَا ذَكَرْت مَا قَالُوهُ قَبْلَ أَنْ أَرَى كَلَامَهُ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَئِمَّتِنَا أَنَّ الْمُضْطَرَّ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ الْفِعْلُ الَّذِي اُضْطُرَّ إلَيْهِ. تَعْرِيفُ الْمُضْطَرِّ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَعْرِيفِهِ. فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: الْمُضْطَرُّ الْمُلْجَأُ إلَى مَقْدُورِهِ لِدَفْعِ ضَرَرٍ مُتَوَقَّعٍ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ الْمُقَدَّرِ الْمُلْجَأِ إلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute