سَبَبًا وَشَرْطًا وَمَانِعًا، وَهَذَا مِنْ النَّوْعِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ، فَإِذَا جِيءَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ كَانَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَالْأَخْبَارِ الْمُمْتَازَةِ عَنْ سَائِرِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ، وَيُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ لَوْ كَانَتْ مَجْنُونَةً ثَبَتَ حُكْمُ الْعِدَّةِ فِي حَقِّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُكَلَّفَةً. الثَّانِيَةُ: الْخَبَرُ الَّذِي هُوَ مَجَازٌ عَنْ الْأَمْرِ فِي مِثْلِ {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} [البقرة: ٢٣٣] هَلْ هُوَ مَجْمُوعُ الْمُبْتَدَإِ وَالْخَبَرِ، أَوْ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَحْدَهُ؟ كَلَامُ صَاحِبِ الْكَشَّافِ يَمِيلُ إلَى الثَّانِي، وَأَنَّ الْمَعْنَى وَالْوَالِدَاتُ لَيُرْضِعْنَ، وَبَعْضِهِمْ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ لَا يَكُونُ جُمْلَةً إنْشَائِيَّةً.
[الثَّالِثَةُ وُرُودِ صِيغَةِ الْخَبَرِ وَالْمُرَادُ بِهَا الْأَمْرُ]
الثَّالِثَةُ: الْمَشْهُورُ جَوَازُ وُرُودِ صِيغَةِ الْخَبَرِ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْأَمْرُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ وَحَسْبُك دِرْهَمٌ، أَيْ: اكْتَفِ بِهِ. وَمَنَعَهُ السُّهَيْلِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: ٢٢٨] قَالَ: وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَنْ حُكْمِ الشَّرْعِ، فَإِنْ وُجِدَتْ مُطَلَّقَةٌ لَا تَتَرَبَّصُ فَلَيْسَ مِنْ الشَّرْعِ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ وُقُوعُ خَبَرِ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى خِلَافِ مُخْبَرِهِ. وَقِيلَ: لِتَتَرَبَّصَ بِحَذْفِ اللَّامِ.
[مَسْأَلَةٌ إذَا دَلَّ الْأَمْرُ عَلَى انْتِفَاءِ الْوُجُوبِ فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ]
إذَا دَلَّ عَلَى انْتِفَاءِ الْوُجُوبِ، فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ أَوْ يُتَوَقَّفُ وَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ؟ فِيهِ قَوْلَانِ. حَكَاهُمَا الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْإِفَادَةِ " وَعُزِيَ الثَّانِي لِأَكْثَرِ الْأُصُولِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ: فَإِنْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى انْتِفَاءِ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ كَانَ لِلْإِبَاحَةِ، فَإِنْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى نَفْيِ الْإِبَاحَةِ فَفِي جَوَازِ الْفِعْلِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَحْظُورٍ، وَلَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْبَاطِلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute