وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهَا مُسْتَغْرِقَةٌ لِلزَّمَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَخُصُّ زَمَانًا دُونَ غَيْرِهِ، وَزَعَمَ ابْنُ السَّرَّاجِ أَنَّ الْمُبَرِّدَ احْتَجَّ بِالْآيَةِ، قَالَ: وَفِيهَا نَظَرٌ، فَلَمْ يَجْزِمْ، وَلَمْ يَجْعَلْ الْآيَةَ قَطْعِيَّةً فِي الْمَقْصُودِ. وَالصَّحِيحُ عَدَمُ خُرُوجِهَا عَنْ سَائِرِ الْأَفْعَالِ، وَنَزَّلَ الْآيَةَ عَلَى أَنَّ " إنْ " دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ مَحْذُوفٍ مُسْتَقْبَلٍ، إمَّا عَلَى إضْمَارِ: " يَكُنْ " أَيْ إنْ يَكُنْ قُلْته. وَإِمَّا عَلَى إضْمَارِ الْقَوْلِ، أَيْ: إنْ أَكُنْ فِيمَا اسْتَقْبَلَ كُنْت قُلْتُهُ، أَيْ مَوْصُوفًا بِهَذَا، أَوْ إنْ أَقُلْ كُنْتُ قُلْتُهُ.
وَالصَّحِيحُ عِنْدَ ابْنِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ الشَّرْطَ لَا يَكُونُ غَيْرَ مُسْتَقْبَلِ الْمَعْنَى بِلَفْظِ " كَانَ " وَغَيْرِهَا إلَّا مُؤَوَّلًا. لَكِنْ مَا قَالَهُ مُسْتَدْرَكٌ " بِلَوْ، وَلَمَّا " الشَّرْطِيَّتَيْنِ. فَإِنَّ الْفِعْلَ بَعْدَهَا لَا يَكُونُ إلَّا مَاضِيًا.
وَقَالَ أَبُو نَصْرِ بْنُ الْقُشَيْرِيّ: الْمَشْرُوطُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَشْرُوطًا فِي الِاسْتِقْبَالِ، نَقُولُ: لَا أَضْرِبُ زَيْدًا حَتَّى يَقُومَ عَمْرٌو، وَلَا يَحْسُنُ لَا أَضْرِبُ زَيْدًا بِالْأَمْسِ حَتَّى يَقُومَ عَمْرٌو. فَأَمَّا الشَّرْطُ، فَقَالُوا: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَرْقُوبًا فِي الِاسْتِقْبَالِ. قَالَ الْقَاضِي: وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ قَدْ يَقَعُ الشَّرْطُ كَائِنًا فِي الْحَالِ غَيْرَ مُسْتَقْبَلٍ، فَيَحْسُنُ أَنْ تَقُولَ: إنْ كَانَ زَيْدٌ الْيَوْمَ رَاكِبًا يَرْكَبُ غَدًا، فَيُوَافِقُ وُجُودَ الشَّرْطِ لِفِعْلِك، وَيَتَقَدَّمُ عَلَى الْمَشْرُوطِ.
قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ: وَهَذَا نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ، لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَا يَحْسُنُ إذْ مُخَاطِبُك يَعْرِفُ أَنَّ زَيْدًا الْيَوْمَ رَاكِبٌ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَعْرِفْ، وَإِنَّمَا يَحْسُنُ عِنْدَ الْجَهْلِ، فَكَأَنَّك قُلْت: إنْ كَانَ أَوْضَحَ لَنَا أَنَّ زَيْدًا رَاكِبٌ قُمْتَ غَدًا، فَهَذَا الشَّرْطُ إذَنْ عَلَى الْحَقِيقَةِ مَرْقُوبٌ.
[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ مِنْ أَحْكَام الشَّرْط إخْرَاجُ مَا لَوْلَاهُ عُلِمَ إخْرَاجُهُ]
[الْمَسْأَلَةُ] الرَّابِعَةُ: مِنْ أَحْكَامِهِ إخْرَاجُ مَا لَوْلَاهُ عُلِمَ إخْرَاجُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute