للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - جَعَلَهُ فِي الْعِبَادِ سَبَبًا لِلْمَوْتِ، وَكَقَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك يُرِيدُ بِهِ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّهُمَا مُسَبَّبَانِ عَنْهُ، وَمِنْهُ أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ نَبَاتًا، فَذُكِرَ النَّبَاتُ وَأُرِيدَ بِهِ الْغَيْثُ؛ لِأَنَّ الْغَيْثَ سَبَبٌ لِلنَّبَاتِ، وَعَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الزمر: ٦] وَاعْلَمْ أَنَّ التَّجَوُّزَ بِلَفْظِ السَّبَبِ عَنْ الْمُسَبَّبِ أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُعَيَّنَ يَسْتَدْعِي مُسَبَّبًا مُعَيَّنًا كَالزِّنَى بَعْدَ الْإِحْصَانِ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي مُسَبَّبًا مُعَيَّنًا وَهُوَ الرَّجْمُ، وَالْمُسَبَّبُ الْمُعَيَّنُ لَا يَسْتَدْعِي سَبَبًا مُعَيَّنًا، بَلْ سَبَبًا مَا كَإِبَاحَةِ الدَّمِ، فَإِنَّهَا تَقْتَضِي سَبَبًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ إمَّا الْكُفْرُ بَعْدَ الْإِيمَانِ أَوْ الزِّنَى بَعْدَ الْإِحْصَانِ، أَوْ قَتْلٌ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَا يَقْتَضِي وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ بِعَيْنِهِ، وَمَا اقْتَضَى الشَّيْءَ الْمُعَيَّنَ أَقْوَى مِمَّا يَقْتَضِي الْمُطْلَقَ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلْمُعَيَّنِ يَقْتَضِي الْمُطْلَقَ وَزِيَادَةً، وَهِيَ التَّعْيِينُ، فَكَانَ أَوْلَى كَالضَّرْبِ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْأَلَمَ جَزْمًا بِخِلَافِ الْأَلَمِ، فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي الضَّرْبَ عَلَى التَّعْيِينِ لِجَوَازِ أَنْ يَخْلُفَهُ سَبَبٌ آخَرُ، فَكَانَ فَهْمُ الْمُسَبَّبِ مِنْ اسْمِ السَّبَبِ فَوْقَ فَهْمِ السَّبَبِ مِنْ اسْمِ الْمُسَبَّبِ، فَكَانَ أَبْلَغَ إفَادَةً لِلْمَقْصُودِ، وَهَكَذَا يَقُولُ: إطْلَاقُ اسْمِ اللُّزُومِ عَلَى اللُّزُومِ أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ، وَكَذَا إطْلَاقُ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ إطْلَاقَ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ أَوْلَى مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَلْزُومِ عَلَى اللَّازِمِ لِمَا بَيْنَ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ مِنْ الِاتِّصَالِ وَالْمُنَاسَبَةِ.

[الْعَلَاقَةُ الثَّالِثَةُ الْمُشَابَهَةُ]

ُ: وَهِيَ تَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِاسْمِ مُشَبَّهِهِ، إمَّا فِي الصُّورَةِ كَإِطْلَاقِ اسْمِ الْأَسَدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>