للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: نُسِخَ صَوْمُ عَاشُورَاءَ بِرَمَضَانَ، وَنَسَخَتْ الزَّكَاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ سِوَاهَا. فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا لَا مُنَافَاةَ فِيهِ. وَإِنَّمَا وَافَقَ نَسْخُ عَاشُورَاءَ فَرْضَ رَمَضَانَ وَنَسْخُ سَائِرِ الصَّدَقَاتِ فَرْضَ الزَّكَاةِ، فَحَصَلَ النَّسْخُ مَعَهُ لَا بِهِ.

قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: حَكَى بَعْضُ مَشَايِخِنَا خِلَافًا فِي أَنَّ النَّسْخَ فِي الْأَمْرِ أَوْ الْمَأْمُورِ. فَقِيلَ: وَقَعَ فِي الْأَمْرِ. وَقِيلَ: فِي الْمَأْمُورِ نَفْسِهِ. وَالْأَمْرُ هُوَ الْقَوْلُ. وَالْمَأْمُورُ هُوَ الْمُخَاطَبُ. قَالَ: وَاَلَّذِي عِنْدَنَا أَنَّ النَّسْخَ وَقَعَ فِي الْأَمْرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [البقرة: ١٠٦] فَأَخْبَرَ أَنَّ النَّسْخَ يَقَعُ فِي الْآيَةِ. وَمِمَّنْ تَعَرَّضَ لِهَذَا الْخِلَافِ ابْنُ حَزْمٍ فِي " الْإِحْكَامِ ". وَقَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْأَمْرِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْمَأْمُورِ بِهِ أَصْلًا، لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ فِعْلُنَا. وَفِعْلُنَا إنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ مِنَّا فَقَدْ فَنَى وَلَا يَنْهَى عَمَّا مَضَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ وَقَعَ بَعْدُ، فَكَيْفَ يُنْسَخُ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [البقرة: ١٠٦] الْآيَةَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ هِيَ الْمَنْسُوخَةُ لَا أَفْعَالَنَا الْمَأْمُورَ بِهَا وَالْمَنْهِيَّ عَنْهَا. .

[مَسْأَلَةٌ الْمَنْسُوخُ]

مَسْأَلَةٌ

الْمَنْسُوخُ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الْحُكْمُ الثَّابِتُ نَفْسُهُ. وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: مِثْلُ الْحُكْمِ الثَّابِتِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ. وَاَلَّذِي قَادَهُمْ إلَى ذَلِكَ مَذْهَبُهُمْ فِي أَنَّ الْأَوَامِرَ مُرَادَةٌ، وَأَنَّ الْحُسْنَ صِفَةٌ نِسْبِيَّةٌ لِلْحَسَنِ. وَمُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى حَسَنٌ، وَقَدْ قَامَتْ الْأَدِلَّةُ عَلَى أَنَّ الْأَوَامِرَ لَا تَرْتَبِطُ بِالْإِرَادَةِ، عَلَى أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ فِي الْأَحْكَامِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ لَا بِصِفَةٍ نِسْبِيَّةٍ. قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>