للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ مُظْهِرٌ لَا مُثْبِتٌ]

الْحَقُّ أَنَّهُ مُظْهِرٌ لِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى لَا مُثْبِتٌ لَهُ ابْتِدَاءً، لِأَنَّ مُثْبِتَ الْحُكْمِ هُوَ اللَّهُ. وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ فِي " الرِّسَالَةِ " أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَقَالَ الصَّيْرَفِيُّ: لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ فِي الظَّاهِرِ لِلْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَيَمْتَنِعُ إطْلَاقُهُ عَلَى الْقِيَاسِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ حُكْمُ اللَّهِ مِنْ الِاجْتِهَادِ، إشْفَاقًا أَنْ يَقْطَعَ عَلَى اللَّهِ بِذَلِكَ، فَإِنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ حُكْمُ اللَّهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ أَوْجَبَهُ كَانَ عَلَى التَّقْيِيدِ.

وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي " الْبَحْرِ ": الْقِيَاسُ عِنْدَنَا دِينُ اللَّهِ وَحُجَّتُهُ وَشَرْعُهُ.

وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: إنَّهُ دِينُ اللَّهِ وَدِينُ رَسُولِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَقَوْلُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي " الْمُعْتَمَدِ " هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ، بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ بَعَثَنَا عَلَى فِعْلِهِ بِالْأَدِلَّةِ. وَأَمَّا كَوْنُهُ بِمَعْنَى صِيغَةِ " أَفْعَلَ " فَصَحِيحٌ أَيْضًا عِنْدَ مَنْ يَحْتَجُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاعْتَبِرُوا} [الحشر: ٢] وَأَمَّا كَوْنُهُ مِنْ دِينِ اللَّهِ فَلَا رَيْبَ فِيهِ إذَا عَنَى أَنَّهُ لَيْسَ بِبِدْعَةٍ، وَإِنْ أُرِيدَ غَيْرُ ذَلِكَ فَعِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي الْهُذَيْلِ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لِأَنَّ اسْمَ الدِّينِ يَقَعُ عَلَى مَا هُوَ ثَابِتٌ مُسْتَمِرٌّ، وَأَبُو عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ يَصِفُ مَا كَانَ وَاجِبًا مِنْهُ بِذَلِكَ، وَبِأَنَّهُ إيمَانٌ دُونَ مَا كَانَ مِنْهُ نَدْبًا. وَالْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ يَصِفُ بِذَلِكَ وَاجِبَهُ وَمَنْدُوبَهُ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: إنْ أُرِيدَ بِالدِّينِ مَا تُعُبِّدْنَا بِهِ وَهُوَ أَصْلِيٌّ فَلَيْسَ الْقِيَاسُ مِنْ الدِّينِ. وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَا تُعُبِّدْنَا بِهِ مُطْلَقًا فَهُوَ مِنْ الدِّينِ. وَيَتَحَصَّلُ فِي كَوْنِ الْقِيَاسِ مِنْ الدِّينِ أَقْوَالٌ: ثَالِثُهَا حَيْثُ يَتَعَيَّنُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>