[الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْعِلَّةُ]
[الرُّكْنُ الرَّابِعُ] الْعِلَّةُ وَهِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْقِيَاسِ لِيَجْمَعَ بِهَا بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ. قَالَ ابْنُ فُورَكٍ: مِنْ النَّاسِ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الشَّبَهِ وَمَنَعَ الْقَوْلَ بِالْعِلَّةِ. وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: ذَهَبَ بَعْضُ الْقَيَّاسِينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ إلَى صِحَّةِ الْقِيَاسِ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ إذَا لَاحَ بَعْضُ الشَّبَهِ. وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْقَيَّاسِينَ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي الْقِيَاسِ وَهِيَ رُكْنُ الْقِيَاسِ لَا يَقُومُ الْقِيَاسُ إلَّا بِهَا. وَالْعِلَّةُ فِي اللُّغَةِ قِيلَ: هِيَ اسْمٌ لِمَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ الشَّيْءِ بِحُصُولِهِ، مَأْخُوذٌ مِنْ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ الْمَرَضُ، لِأَنَّ تَأْثِيرَهَا فِي الْحُكْمِ كَأَثَرِ الْعِلَّةِ فِي ذَاتِ الْمَرِيضِ. وَيُقَالُ: اعْتَلَّ فُلَانٌ إذَا حَالَ عَنْ الصِّحَّةِ إلَى السَّقَمِ. وَهَذَا الْمَعْنَى اعْتَمَدَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي كِتَابِ الْإِخْبَارِ عَنْ أَحْكَامِ الْعِلَلِ " وَهُوَ مُجَلَّدٌ لَطِيفٌ وَجَرَى عَلَيْهِ إلْكِيَا وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ. وَقِيلَ: لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ بِحُكْمِ الْأَصْلِ إلَى الْفَرْعِ كَالِانْتِقَالِ بِالْعِلَّةِ مِنْ الصِّحَّةِ إلَى الْمَرَضِ، حَكَاهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَقَالَ: الْأَوَّلُ أَحْسَنُ، لِأَنَّا قَبِلْنَا صِحَّةَ التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ. وَقِيلَ: إنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَلَلِ بَعْدَ النَّهَلِ، وَهُوَ مُعَاوَدَةُ الْمَاءِ لِلشُّرْبِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ فِي اسْتِخْرَاجِهَا يُعَاوِدُ النَّظَرَ بَعْدَ النَّظَرِ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِ وُجُودِهَا، وَلِأَنَّ الْحَادِثَةَ مُسْتَمِرَّةٌ بَاقِيَةٌ غَيْرُ مُتَكَرِّرَةٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الْقَدَرِيَّةِ. قَالَ إلْكِيَا: وَقَدْ يُعَبَّرُ بِهَا عَمَّا لِأَجْلِ ذَلِكَ يُقْدِمُ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ يُمْنَعُ مِنْهُ يُقَالُ: فَعَلَ الْفِعْلَ لِعِلَّةِ كَيْتَ، أَوْ لَمْ يَفْعَلْ لِعِلَّةِ كَيْتَ. وَقَدْ اُسْتُعْمِلَتْ فِي الْمَعْلُولَاتِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي يُوجِبُ لِغَيْرِهِ حَالًا كَالْعِلْمِ يُوجِبُ الْعَالَمِيَّةَ، وَالْوَصْفِ مِنْ غَيْرِ حَالِ السَّوَادِ فَقَالَ: إنَّهُ عِلَّةٌ فِي وَصْفِ الْمَحَلِّ بِأَنَّهُ أَسْوَدُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute