للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الْمَوْضُوعُ لَهُ]

الرَّابِعُ: فِي الْمَوْضُوعِ لَهُ؛ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي أَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلْمَعْنَى الذِّهْنِيِّ أَوْ الْخَارِجِيِّ أَوْ لِأَعَمَّ مِنْهُمَا أَوْ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَذَاهِبَ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَمْ تُوضَعْ الْأَلْفَاظُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْمَوْجُودَاتِ الْخَارِجِيَّةِ بَلْ وُضِعَتْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعَانِي الذِّهْنِيَّةِ، وَبِوَاسِطَةِ ذَلِكَ تَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى الْخَارِجِيِّ، وَهَذَا كَالْخَطِّ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى اللَّفْظِ، وَبِوَاسِطَةِ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى، فَإِذَا قُلْت: الْعَالَمُ حَادِثٌ فَلَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ حَادِثًا، بَلْ يَدُلُّ عَلَى حُكْمِك بِحُدُوثِهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيَّ وَتَبِعَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَابْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ فِي الْبُرْهَانِ "، وَالْقُرْطُبِيُّ فِي الْوُصُولِ "، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ: أَمَّا فِي الْمُفْرَدَاتِ فَلِأَنَّا لَوْ رَأَيْنَا شَبَحًا مِنْ بَعِيدٍ ظَنَنَّاهُ رَجُلًا فَإِذَا قَرُبَ رَأَيْنَاهُ شَبَحًا، فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ الْأَسَامِي عِنْدَ اخْتِلَافِ الصُّوَرِ الذِّهْنِيَّةِ دَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ لَا دَلَالَةَ لَهُ إلَّا عَلَيْهَا.

وَأَمَّا فِي الْمُرَكَّبَاتِ فَلِأَنَّ قَوْلَنَا: قَامَ زَيْدٌ، لَا يُفِيدُ قِيَامَ زَيْدٍ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ الْحُكْمَ بِهِ وَالْإِخْبَارَ عَنْهُ، ثُمَّ نَنْظُرُ مُطَابَقَتَهُ لِلْخَارِجِ أَمْ لَا، وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ هَذَا الدَّلِيلِ بِأَنَّ الِاخْتِلَافَ إنَّمَا عُرِضَ لِاعْتِقَادِ أَنَّهَا فِي الْخَارِجِ كَذَلِكَ، لَا لِمُجَرَّدِ اخْتِلَافِهَا فِي الذِّهْنِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْخَارِجِ، وَأَيْضًا إنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مِمَّا يَشْخَصُ فِي الْخَارِجِ مَجَازًا.

وَقَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ: مَنْ نَفَى الْوَضْعَ لِلْمَعْنَى الْخَارِجِيِّ، إنْ أَرَادَ أَنَّهَا لَمْ تُوضَعْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْمَوْجُودَاتِ الْخَارِجِيَّةِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ تَوَسُّطِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعْنَى الذِّهْنِيِّ، فَهَذَا حَقٌّ، لِأَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الْمَعْنَى الْخَارِجِيِّ بِتَوَسُّطِ دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَعْنَى الذِّهْنِيِّ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الدَّلَالَةَ الْخَارِجِيَّةَ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً مِنْ وَضْعِ اللَّفْظِ فَبَاطِلٌ، لِأَنَّ الْمُخَبِّرَ إذَا أَخْبَرَ غَيْرَهُ بِقَوْلِهِ: جَاءَ زَيْدٌ، فَإِنَّ قَصْدَهُ الْإِخْبَارَ بِمَجِيئِهِ فِي الْخَارِجِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>