[الشَّرْطُ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا مِنْ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ ضَابِطًا لِمَا يَتَحَمَّلُهُ وَيَرْوِيهِ]
الشَّرْطُ الرَّابِعُ [مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ تَتَحَقَّقَ فِي الْمُخْبِرِ] أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا مِنْ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ، ضَابِطًا لِمَا يَتَحَمَّلُهُ وَيَرْوِيهِ؛ لِيَكُونَ النَّاسُ عَلَى ثِقَةٍ مِنْهُ فِي ضَبْطِهِ، وَقِلَّةِ غَلَطِهِ. فَإِنْ كَانَ قَلِيلَ الْغَلَطِ قُبِلَ خَبَرُهُ، إلَّا فِيمَا نَعْلَمُهُ أَنَّهُ غَلِطَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرَ الْغَلَطِ، رُدَّ إلَّا فِيمَا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَغْلَطْ فِيهِ. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ "، وَنَحْوُهُ قَوْلُ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ: لَا يُشْتَرَطُ انْتِفَاءُ الْغَفْلَةِ، فَكَوْنُ الرَّاوِي مِمَّنْ تَلْحَقُهُ الْغَفْلَةُ لَا يُوجِبُ رَدَّ حَدِيثِهِ، إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ لَحِقَتْهُ الْغَفْلَةُ فِيهِ، بِعَيْنِهِ، وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ لَا يَخْلُونَ مِنْ جَوَازِ يَسِيرِ الْغَفْلَةِ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ إذَا غَلَبَتْ الْغَفْلَةُ عَلَى أَحَادِيثِهِ، وَعَلَيْهِ يَخْرُجُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: إنَّهُ كَانَ سَيِّئَ الْحِفْظِ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ غَيْرِ الشَّامِيِّينَ، وَعَنَى بِهِ أَنَّ الْغَفْلَةَ كَانَتْ غَالِبَةً عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، فَاخْتَلَطَتْ رِوَايَاتُهُ، وَلَكِنْ إذَا تَعَارَضَتْ رِوَايَاتُ مَنْ تَنَاهَى بِحِفْظِهِ، وَمَنْ تَلْحَقُهُ الْغَفْلَةُ، رُجِّحَ الْأَوَّلُ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْأَوْسَطِ ".
وَقَالَ ابْنُ فُورَكٍ فِي كِتَابِهِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَابِطًا لِكُلِّ مَا حَدَّثَ بِهِ سَاغَ الِاجْتِهَادُ فِيهِ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَيْهِ تَرْكُ الضَّبْطِ لَمْ يُقْبَلْ خَبَرُهُ، كَمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنْ كَانَ الرَّاوِي تَلْحَقُهُ الْغَفْلَةُ فِي حَالَةٍ لَا يُرَدُّ حَدِيثُهُ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ لَحِقَتْهُ الْغَفْلَةُ فِي حَدِيثٍ بِعَيْنِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ: مَنْ أَخْطَأَ فِي حَدِيثٍ، فَلَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى الْخَطَأِ فِي غَيْرِهِ، وَلَمْ يَسْقُطْ بِذَلِكَ حَدِيثُهُ، وَمَنْ كَثُرَ خَطَؤُهُ وَغَلَطُهُ لَمْ يُقْبَلْ خَبَرُهُ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى حِفْظِ الْحِكَايَةِ. اهـ. وَهَذَا مَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ " عَنْ جُمْهُورِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، فَقَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute