وَقَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ: الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ مُثْبِتِي كَلَامِ النَّفْسِ أَمَّا مَنْ نَفَاهُ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ: الْأَمْرُ عَيْنُ النَّهْيِ فَإِنَّ صِيغَةَ " افْعَلْ " غَيْرُ صِيغَةِ " لَا تَفْعَلْ " لَكِنَّهُمْ قَالُوا: يَقْتَضِيهِ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى قَالَ: وَصَارَ إلَى هَذَا ضَعَفَةُ الْفُقَهَاءِ، وَمَنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ عِنْدَهُ كَلَامُ النَّفْسِ.
ثُمَّ قَالَ: الْخِلَافُ فِي أَمْرِ الْمَخْلُوقِ، أَمَّا كَلَامُ اللَّهِ فَهُوَ قَدِيمٌ، وَهُوَ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ يَكُونُ أَمْرًا بِكُلِّ مَأْمُورٍ، وَنَهْيًا عَنْ كُلِّ نَهْيٍ، خَبَرًا عَنْ كُلٍّ مُخْبَرٍ، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ: وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ جَمِيعِ أَضْدَادِهِ يَلْزَمُ الْمَصِيرُ إلَى مَذْهَبِ الْكَعْبِيِّ؛ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ ارْتِكَابِ الْمُبَاحِ أَنْ يَتْرُكَ مَحْظُورَاتٍ، فَوَجْهُ النَّظَرِ إلَى مَقْصُودِ الْآمِرِ وَالنَّاهِي وَالْمُبِيحِ لَا فِيمَا يَقَعُ مِنْ ضَرُورَةِ الْجِبِلَّةِ، وَهَذَا نِهَايَةُ الْمَسْأَلَةِ.
[النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ إنْ كَانَ لَهُ أَضْدَادٌ]
[النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ إنْ كَانَ لَهُ أَضْدَادٌ] أَمَّا النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ فَأَمْرٌ بِضِدِّهِ إنْ كَانَ لَهُ ضِدٌّ وَاحِدٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالنَّهْيِ عَنْ الْحَرَكَةِ يَكُونُ أَمْرًا بِالسُّكُونِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَضْدَادٌ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقِيلَ: نَفْسُ الْأَمْرِ بِضِدِّهِ كَمَا فِي جَانِبِ الْأَمْرِ قَالَهُ الْقَاضِي، ثُمَّ مَالَ آخِرًا إلَى أَنَّهُ يَتَضَمَّنُهُ، وَقِيلَ: بَلْ ذَلِكَ فِي جَانِبِ الْأَمْرِ لَا النَّهْيِ، فَلَا يَجْرِي الْخِلَافُ. وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ ": الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِأَحَدِ أَضْدَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ جَمِيعِ أَضْدَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمُلَخَّصِ " وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الْقَوَاطِعِ " وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ فِي التَّقْرِيبِ " فَقَالُوا: إنْ كَالَ لَهُ ضِدٌّ وَاحِدٌ فَهُوَ أَمْرٌ بِذَلِكَ الضِّدِّ أَيْ: تَضَمُّنًا، كَمَا قَالَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute