للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ، وَالْجُبَّائِيُّ، وَأَبُو هَاشِمٍ عَدَمَ الْقَبُولِ، وَقَدْ نَازَعَ فِي كَوْنِهِ صُورَةَ النَّبِيذِ وَنَحْوَهَا مِنْ الْفِسْقِ الْمَظْنُونِ طَائِفَتَانِ، فَطَائِفَةٌ قَالَتْ: لَيْسَ هُوَ مِنْ الْفِسْقِ أَصْلًا، لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ. وَالْمَسَائِلُ الِاجْتِهَادِيَّةُ لَا إنْكَارَ فِيهَا عَلَى الْمُخَالِفِ، وَلَا فِسْقَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ أَوْ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ لَا نَعْلَمُهُ وَلَا إثْمَ عَلَى الْمُخْطِئِ، وَإِلَى هَذَا جَنَحَ الْعَبْدَرِيُّ فِي " شَرْحِ الْمُسْتَصْفَى ". وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: بَلْ هُوَ مِنْ الْمَقْطُوعِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا يَصِحُّ مَعَ التَّفْسِيقِ، وَالْفِسْقُ رَدُّ الشَّهَادَةِ، وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ: أَحُدُّهُ، وَلَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ، وَإِلَى هَذَا جَنَحَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْقَرَافِيُّ، وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ الشَّافِعِيِّ تَنَاقُضًا، لَكِنَّ الشَّافِعِيَّ حَقَّقَ اخْتِلَافَ الْجِهَتَيْنِ، فَقَالَ: الْحَدُّ لِلزَّجْرِ، فَلَمْ يُرَاعَ فِيهِ مَذْهَبُ الشَّارِبِ لِلنَّبِيذِ، وَالشَّهَادَةُ تُرَدُّ لِلْكَبِيرَةِ، وَهَذَا يُتَأَوَّلُ فِيمَنْ شَرِبَ مُعْتَقِدًا إبَاحَةً فَعُذِرَ بِتَأْوِيلِهِ. الثَّالِثُ: أَنْ يَقْدُمَ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ، عَالِمًا بِالْخِلَافِ فِي إبَاحَتِهِ وَحَظْرِهِ، فَيُحَدُّ. وَفِي فِسْقِهِ وَرَدِّ شَهَادَتِهِ وَجْهَانِ، حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَا يَبْعُدُ تَخْرِيجُهُمَا فِي الرِّوَايَةِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ فَاسِقٌ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ، لِأَنَّ تَرْكَ الْإِرْشَادِ فِي الشُّبُهَاتِ تَهَاوُنٌ. وَالثَّانِي لَا يَفْسُقُ، لِأَنَّ اعْتِقَادَ الْإِبَاحَةِ أَغْلَظُ مِنْ التَّعَاطِي، وَلَا يَفْسُقُ مُعْتَقِدُ الْإِبَاحَةِ.

الثَّانِيَةُ: مَنْ ظَهَرَ عِنَادُهُ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ، لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ؛ لِأَنَّهُ كَذَبَ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ. الثَّالِثَةُ: إذَا ثَبَتَ أَنَّ عَدَالَةَ الرَّاوِي شَرْطٌ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ. لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُعْلَمَ عَدَالَتُهُ، وَلَا إشْكَالَ فِي قَبُولِهِ، وَإِمَّا أَنْ يُعْلَمَ جَرْحُهُ، فَلَا إشْكَالَ فِي رَدِّهِ، وَإِمَّا أَنْ يُجْهَلَ حَالُهُ.

[الرَّاوِي الْمَجْهُولُ الْحَالِ]

وَلَهُ أَحْوَالٌ:

<<  <  ج: ص:  >  >>