للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ بَاحُوا بِقَبُولِ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ، فَلَمْ يَبُوحُوا بِقَبُولِ رِوَايَتِهِ، فَإِنْ قَالَ بِهِ قَائِلٌ فَهُوَ مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَلِلْمُقْدِمِ عَلَى الْفِسْقِ أَحْوَالٌ: أَحَدُهَا: أَنْ يَعْلَمَ حُرْمَةَ مَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى رَدِّهِ، كَذَا قَالَ فِي " الْمَحْصُولِ " وَغَيْرِهِ، وَيُتَّجَهُ تَقْيِيدُهُ بِالْمَقْطُوعِ بِكَوْنِهِ فِسْقًا، أَمَّا الْمَظْنُونُ فَيُشْبِهُ تَخْرِيجَ خِلَافٍ فِيهِ، إذْ حَكَوْا وَجْهًا فِيمَنْ شَرِبَ النَّبِيذَ وَهُوَ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ أَنَّ شَهَادَتَهُ لَا تُرَدُّ، وَالرِّوَايَةُ مُلْحَقَةٌ بِالشَّهَادَةِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْعَدَالَةِ.

الثَّانِي: أَنْ يَقْدُمَ عَلَى الْفِسْقِ مُعْتَقِدًا جَوَازَهُ لِشُبْهَةٍ أَوْ تَقْلِيدٍ فَأَقْوَالٌ: ثَالِثُهَا: الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَظْنُونِ وَالْمَقْطُوعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمَظْنُونَاتِ: أَقْبَلُ شَهَادَةَ الْحَنَفِيِّ إذَا شَرِبَ النَّبِيذَ وَأَحُدُّهُ، وَقَالَ فِي الْقَطْعِيَّاتِ: أَقْبَلُ شَهَادَةَ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ إلَّا الْخَطَّابِيَّةَ مِنْ الرَّافِضَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ شَهَادَةَ الزُّورِ لِمُوَافِقِيهِمْ، وَحُكِيَ فِي " الْمَحْصُولِ " الِاتِّفَاقُ فِي الْمَظْنُونِ عَلَى الْقَبُولِ. قَالَ الْهِنْدِيُّ: وَالْأَظْهَرُ ثُبُوتُ الْخِلَافِ فِيهِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ، وَهَذَا مِنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْمَقْطُوعِ بِهِ إذَا لَمْ يَرَ صَاحِبُهُ جَوَازَ الْكَذِبِ، وَالْأَكْثَرُونَ قَبِلُوا رِوَايَتَهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْغَزَالِيِّ، وَالْإِمَامِ الرَّازِيَّ وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ، وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي " الْعُدَّةِ ": إذَا كَانَ فِسْقُهُ مِنْ جِهَةِ الِاعْتِقَادِ لَمْ يُرَدَّ خَبَرُهُ، وَقَدْ قَبِلَ التَّابِعُونَ أَخْبَارَ الْخَوَارِجِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَرُدُّ شَهَادَةَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>