عَلَى الْمُجِيزِينَ جَعَلُوا مَدْلُولَ اللَّفْظِ حَقِيقَةً مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي، ثُمَّ رَدُّوا الِاسْتِعْمَالَ الَّذِي يَذْكُرُهُ الْمُجَوِّزُونَ بِالتَّأْوِيلِ إلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَهُوَ يُقَرِّبُ الْمَجَازَ، فَعَلَى هَذَا يُؤَوَّلُ تَصَرُّفُ الْبَصْرِيِّينَ إلَى الْمَجَازِ أَيْضًا وَيَرْجِعُ الْخِلَافُ فِي تَرْجِيحِ أَحَدِ الْمَجَازَيْنِ عَلَى الْآخَرِ لَا فِي الْمَنْعِ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ أَوْ الْحَمْلِ أَوْ الْجَوَازِ فِيهِمَا، وَإِنْ كَانَ الْكُوفِيُّونَ يَرَوْنَ الِاسْتِعْمَالَ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي يُورِدُونَهَا حَقِيقَةً. وَالْبَصْرِيُّونَ يَقُولُونَ: مَجَازٌ، فَالْمَجَازُ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ، وَالِاشْتِرَاكُ لَازِمٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِاتِّفَاقِ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي مَعْنًى حَقِيقَةً، وَالْكُوفِيُّونَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَرَوْنَ اسْتِعْمَالَهُ فِي مَعَانِي حَقِيقَةً، فَيَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ قَطْعًا. قَالَ: وَلَسْت أَذْكُرُ التَّصْرِيحَ مِنْ مَذْهَبِ الْمُجَوِّزِينَ فِي أَنَّهُ حَقِيقَةٌ، وَإِنَّمَا الْمَشْهُورُ قَوْلُهُمْ: وَيَكُونُ كَذَا بِمَعْنَى كَذَا، وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ.
[الثَّانِيَةُ الْمَقْصُودُ مِنْ عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ]
ِ إنَّمَا هُوَ النُّطْقُ بِالصَّوَابِ، وَذَلِكَ حُكْمٌ لَفْظِيٌّ، وَمَا عَدَاهُ مِنْ التَّقْدِيرَاتِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا يَقْدَحُ فِي اللَّفْظِ لَيْسَ هُوَ بِالْمَقْصُودِ فِيهَا، فَمَتَى احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِشَيْءٍ مَسْمُوعٍ مِنْ الْعَرَبِ لِمَذْهَبِهِ، فَذُكِرَ فِيهِ تَأْوِيلٌ، وَكَانَ ذَلِكَ التَّأْوِيلُ مِمَّا يَطَّرِدُ فِي جُمْلَةِ مَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَظْهَرُ لِلِاخْتِلَافِ فَائِدَةٌ لَفْظِيَّةٌ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ جَائِزُ الِاسْتِعْمَالِ عَلَى الصُّورَةِ وَالْهَيْئَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، إمَّا مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ كَمَا يَذْهَبُ إلَيْهِ الْمُسْتَدِلُّ، وَإِمَّا بِتَأْوِيلٍ مُطَّرِدٍ فِي الْمَوَارِدِ كَمَا ذَكَرَ الْمُجِيبُ، فَلَا يَظْهَرُ لِلِاخْتِلَافِ فَائِدَةٌ فِي الْحُكْمِ اللَّفْظِيِّ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ. مِثَالُهُ: إذَا قُلْنَا: «فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً، وَالْآخَرِ شِفَاءً» فَأَوَّلَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute