أَمَّا الْأُصُولِيُّ فَعَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ وَجْهَ الْمُمَيِّزِ فِيهِمَا، فَإِنَّا قَطْعًا نُفَرِّقُ بَيْنَ الدَّالِّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ، وَالدَّالُّ عَلَيْهَا بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ، كَمَا نُفَرِّقُ بَيْنَ الدَّالُّ عَلَيْهَا بِوَحْدَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ، وَهُوَ النَّكِرَةُ، وَمُعَيَّنَةٍ وَهِيَ الْمَعْرِفَةُ، فَهِيَ حَقَائِقُ ثَلَاثٌ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهَا.
وَأَمَّا الْفَقِيهُ، فَلِأَنَّ الْأَحْكَامَ تَخْتَلِفُ عِنْدَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا اسْتَشْعَرَ بَعْضُهُمْ التَّنْكِيرَ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ اشْتَرَطَ الْوَحْدَةَ، فَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِيمَنْ قَالَ: إنْ كَانَ حَمْلُهَا غُلَامًا فَأَعْطُوهُ كَذَا، فَكَانَ غُلَامَيْنِ، لَا شَيْءَ لَهُمَا، لِأَنَّ التَّنْكِيرَ يُشْعِرُ بِالتَّوْحِيدِ، وَيَصْدُقُ أَنَّهُمَا غُلَامَانِ لَا غُلَامٌ.
وَكَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ كَانَ حَمْلُك ذَكَرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ، فَكَانَا ذَكَرَيْنِ، فَقِيلَ: لَا تَطْلُقُ، لِهَذَا الْمَعْنَى، وَقِيلَ تَطْلُقُ، حَمْلًا عَلَى الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، فَانْظُرْ كَيْفَ فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالنَّكِرَةِ. .
[الْمُطْلَقَ قِسْمَانِ]
وَأَقُولُ: التَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُطْلَقَ قِسْمَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقَعَ فِي الْإِنْشَاءِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَفْسِ الْحَقِيقَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِأَمْرٍ زَائِدٍ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الْمُطْلَقُ هُوَ التَّعَرُّضُ لِلذَّاتِ دُونَ الصِّفَاتِ، لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بِالْإِثْبَاتِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: ٦٧] .
وَالثَّانِي: أَنْ يَقَعَ فِي الْأَخْبَارِ، مِثْلُ رَأَيْت رَجُلًا، فَهُوَ لِإِثْبَاتِ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ غَيْرِ مَعْلُومِ التَّعْيِينِ عِنْدَ السَّامِعِ، وَجُعِلَ مُقَابِلًا لِلْمُطْلَقِ بِاعْتِبَارِ اشْتِمَالِهِ عَلَى قَيْدِ الْوَحْدَةِ. وَعَلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ يُنَزَّلُ كَلَامُ " الْمَحْصُولِ "، وَعَلَى الثَّانِي يُنَزَّلُ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَهُوَ قَطْعِيٌّ فِي الْمَاهِيَّةِ، هَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَظَاهِرٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كَنَظِيرِ الْخِلَافِ فِي الْعُمُومِ، وَلِاسْتِرْسَالِهِ عَلَى جَمِيعِ الْأَفْرَادِ يُشْبِهُ الْعُمُومَ، وَلِهَذَا قِيلَ: إنَّهُ عَامٌّ عُمُومَ بَدَلٍ، وَالْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute