[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْحِكْمَةِ فِي نَسْخِ الشَّرَائِعِ]
ِ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي " الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ " وَهُوَ أَنَّ الشَّرَائِعَ قِسْمَانِ: مِنْهَا مَا يُعْرَفُ نَفْعُهَا بِالْعَقْلِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ. وَمِنْهَا سَمْعِيَّةٌ لَا يُعْرَفُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا مِنْ السَّمْعِ. فَالْأَوَّلُ: يَمْتَنِعُ طُرُوُّ النَّسْخِ عَلَيْهَا كَمَعْرِفَةِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ أَبَدًا، وَمَجَامِعُ هَذِهِ الشَّرَائِعِ الْعَقْلِيَّةِ أَمْرَانِ: التَّعْظِيمُ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَالشَّفَقَةُ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة: ٨٣] .
وَالثَّانِي: مَا يُمْكِنُ طَرَيَان النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ عَلَيْهِ أُمُورٌ تَحْصُلُ فِي كَيْفِيَّةِ إقَامَةِ الطَّاعَاتِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْعِبَادَاتِ الْحَقِيقِيَّةِ. وَفَائِدَةُ نَسْخِهَا أَنَّ الْأَعْمَالَ الْبَدَنِيَّةَ إذَا وَاظَبُوا عَلَيْهَا خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ صَارَتْ كَالْعَادَةِ عِنْدَ الْخَلْقِ، وَظَنُّوا أَنَّ أَعْيَانَهَا مَطْلُوبَةٌ لِذَاتِهَا. وَمَنَعَهُمْ ذَلِكَ مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْمَقْصُودِ، وَهُوَ مَعْرِفَةُ اللَّهِ وَتَمْجِيدُهُ، فَإِذَا غَيَّرَ ذَلِكَ الطَّرِيقَ إلَى نَوْعٍ مِنْ الْأَنْوَاعِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْأَعْمَالِ رِعَايَةُ أَحْوَالِ الْقَلْبِ وَالْأَرْوَاحِ فِي الْمَعْرِفَةِ وَالْمَحَبَّةِ انْقَطَعَتْ الْأَوْهَامُ عَنْ الِاشْتِغَالِ عَنْ تِلْكَ الصُّوَرِ وَالظَّوَاهِرِ إلَى عَلَّامِ السَّرَائِرِ. وَذَكَرَ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ وُجُوهًا: مِنْهَا: أَنَّ الْخَلْقَ طُبِعُوا عَلَى الْمَلَالَةِ مِنْ الشَّيْءِ، فَوَضَعَ فِي كُلِّ عَصْرٍ شَرِيعَةً جَدِيدَةً لِيَنْشَطُوا فِي أَدَائِهَا. وَمِنْهَا: بَيَانُ شَرَفِ نَبِيِّنَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَإِنَّهُ نَسَخَ بِشَرِيعَتِهِ شَرَائِعَهُمْ، وَشَرِيعَتُهُ لَا نَاسِخَ لَهَا. وَمِنْهَا: مَا فِيهِ مِنْ حِفْظِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ كَطَبِيبٍ يَأْمُرُ بِدَوَاءٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي بِخِلَافِهِ لِلْمَصْلَحَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute