وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الصَّيْرَفِيَّ فَرَضَ لِلْمَسْأَلَةِ أَحْوَالًا ثَلَاثَةً، وَجَعَلَ بَعْضَهَا مِنْ الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ، وَبَعْضَهَا مِنْ الْأَخِيرِ، فَفِي الْحَالَةِ الْأُولَى، وَهِيَ أَنْ يُخَاطِبَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، بِاللَّفْظِ الْعَامِّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَى الْعُمُومِ، وَلَمْ يَخْتَرْ اعْتِقَادَ الْعُمُومِ بِخِلَافِهِ فِي الْحَالَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ، فَتَأَمَّلْ كَلَامَهُ.
وَقَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ اسْتَفَدْنَا مِنْهُ أَنَّ الْعَمَلَ بِهِ مَقْطُوعٌ، أَمَّا مُطْلَقُ اللَّفْظِ الْعَامِّ إنْ أَرَادَ بِهِ الْعُمُومَ فَلَا قَطْعَ فِيهِ: وَهَذَا الَّذِي اشْتَبَهَ عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّ الْأَحْكَامَ الثَّابِتَةَ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُفِيدُ الظَّنَّ أَحْكَامٌ مَعْلُومَةٌ، وَلَمْ يَعْرِفْ أَنَّ الْمَقْطُوعَ بِهِ وُجُوبُ الْعَمَلِ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمَظْنُونَ مَعْلُومٌ.
الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ صَوَّرَ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي صُورَةٍ خَاصَّةٍ، فَقَالَ: إذَا وَرَدَتْ الصِّيغَةُ الظَّاهِرَةُ فِي اقْتِضَاءِ الْعُمُومِ، وَلَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ الْعَمَلِ بِمُوجِبِهَا، فَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ: يَجِبُ عَلَى الْمُتَعَبِّدِينَ اعْتِقَادُ عُمُومِهَا عَلَى جَزْمٍ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا اعْتَقَدُوهُ فَذَاكَ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْخُصُوصَ تَغَيُّرُ الْعَقْدِ انْتَهَى. وَالصَّوَابُ فِي النَّقْلِ عَنْهُ إطْلَاقُ الْعُمُومِ سَوَاءٌ قَبْلَ حُضُورِ وَقْتِ الْعَمَلِ بِهِ أَوْ بَعْدَهُ؛ بَلْ هُوَ مُصَرَّحٌ بِالْعَمَلِ بِهِ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ، وَنَقَلَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي كِتَابِهِ " الْبَيَانِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ " وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ عَنْهُ الْجُمْهُورُ كَمَا سَبَقَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي كَلَامِهِمْ، وَلَمْ يُقَيِّدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ النَّقْلَ عَنْهُ بِهَذِهِ الْحَالَةِ.
[تَفْرِيعٌ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ]
[تَفْرِيعٌ]
الْأَمْرُ الثَّالِثُ: أَنَّ مِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ، فَمَنْ ذَهَبَ إلَى إجْرَائِهِ عَلَى الْعُمُومِ قَبْلَ الْبَحْثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute