للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الشَّرْطُ الثَّالِثُ الْعَدَالَةُ فِي الدِّينِ]

ِ] فَالْفَاسِقُ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ كَمَا لَا يَوْثُقُ بِشَهَادَتِهِ، وَالْعَدْلُ هُوَ الْعَادِلُ تَوَسُّعًا، مَأْخُوذٌ مِنْ الِاعْتِدَالِ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ: مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَيُحْكَمُ بِهَا. وَالْعَدَالَةُ فِي الْأَصْلِ هِيَ الِاسْتِقَامَةِ، يُقَالُ: طَرِيقٌ عَدْلٌ، لِطَرِيقِ الْجَادَّةِ، وَضِدُّهَا الْفِسْقُ، وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ الْحَدِّ الَّذِي جُعِلَ لَهُ، وَالْمَقْصُودُ أَنْ لَا تُقْبَلَ رِوَايَتُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ هَوَاهُ غَالِبٌ عَلَى تَقْوَاهُ، فَلَا تَصِحُّ الثِّقَةُ بِقَوْلِهِ، ثُمَّ ضَابِطُ الشَّرْعِ فِي ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ، فَلَوْ لَاحَ بِالْمَخَايِلِ صِدْقُهُ لَمْ يَجُزْ قَبُولُ رِوَايَتِهِ، فَإِنَّهُ يُخَالِفُ ضَابِطَ الشَّرْعِ، وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَعْمَلَ بِكُلِّ ظَنٍّ، بَلْ ظَنٍّ لَهُ أَصْلٌ شَرْعًا. هَذَا إذَا رَجَعَ الْفِسْقُ إلَى الدِّيَانَةِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ وَغَيْرُهُ، فَإِنْ رَجَحَ إلَى الْعَقِيدَةِ كَأَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ فَقَدْ سَبَقَ حُكْمُهُ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَا تُقْبَلُ مِمَّنْ اُتُّفِقَ عَلَى فِسْقِهِ، وَإِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا. [تَعْرِيفُ الْعَدَالَةِ] وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهَا، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِسْلَامِ مَعَ عَدَمِ مَعْرِفَةِ الْفِسْقِ، وَعِنْدَنَا مَلَكَةٌ فِي النَّفْسِ تَمْنَعُ عَنْ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ وَصَغَائِرِ الْخِسَّةِ كَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ، وَالرَّذَائِلِ الْمُبَاحَةِ كَالْبَوْلِ فِي الطَّرِيقِ، وَالْمُرَادُ جِنْسُ الْكَبَائِرِ وَالرَّذَائِلِ الصَّادِقِ بِوَاحِدَةٍ، لَا حَاجَةَ؛ لِلْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ كَبِيرَةً. قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ: وَاَلَّذِي صَحَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَمْحُضُ الطَّاعَةَ، فَلَا يَمْزُجُهَا بِمَعْصِيَةٍ، وَلَا فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَمْحُضُ

<<  <  ج: ص:  >  >>