الْمَعْصِيَةَ، فَلَا يَمْزُجُهَا بِالطَّاعَةِ. فَلَا سَبِيلَ إلَى رَدِّ الْكُلِّ، وَلَا إلَى قَبُولِ الْكُلِّ، فَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ عَلَى الرَّجُلِ مِنْ أَمْرِهِ الطَّاعَةَ وَالْمُرُوءَةَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ الْمَعْصِيَةَ وَخِلَافَ الْمُرُوءَةِ رَدَدْتهَا. وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي جَرْيِ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ مَجْرًى وَاحِدًا، وَعَلَيْهِ جَرَى الْقَاضِي.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ: مَنْ قَارَفَ كَبِيرَةً رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَمَنْ اقْتَرَفَ صَغِيرَةً لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ، وَلَا رِوَايَتُهُ. قَالَ: وَالْمُوَاظَبَةُ عَلَى الصَّغِيرَةِ كَمُقَارَفَةِ الْكَبِيرَةِ، وَقَالَ: لَوْ ثَبَتَ كَذِبُ الرَّاوِي رُدَّتْ رِوَايَتُهُ إذَا تَعَمَّدَ، وَإِنْ كَانَ لَا يُعَدُّ ذَلِكَ الْكَذِبَ مِنْ الْكَبَائِرِ؛ لِأَنَّهُ قَادِحٌ فِي نَفْسِ الْمَقْصُودِ بِالرِّوَايَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي مَا مَعْنَاهُ: الْمَعْنِيُّ فِي الرِّوَايَةِ الثِّقَةُ، فَكُلُّ مَا لَا يَخْرِمُ الثِّقَةَ لَا يَقْدَحُ فِي الرِّوَايَةِ، وَإِنَّمَا الْقَادِحُ مَا يَخْرِمُ الثِّقَةَ. اهـ. وَقَالَ الصَّيْرَفِيُّ فِي كِتَابِ الدَّلَائِلِ وَالْأَعْلَامِ ": الْمُرَادُ بِالْعَدْلِ مَنْ كَانَ مُطِيعًا؛ لِلَّهِ فِي نَفْسِهِ، وَلَمْ يُكْثِرْ مِنْ الْمَعَاصِي إلَّا هَفَوَاتٍ وَزَلَّاتٍ، إذْ لَا يَعْرَى وَاحِدٌ مِنْ مَعْصِيَةٍ، فَكُلُّ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً فَاسِقٌ، أَوْ صَغِيرَةً فَلَيْسَ بِفَاسِقٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء: ٣١] وَمَنْ تَتَابَعَتْ مِنْهُ الصَّغِيرَةُ وَكَثُرَتْ وُقِفَ خَبَرُهُ، وَكَذَا مَنْ جُهِلَ أَمْرُهُ. قَالَ: وَمَا ذَكَرْتُ مِنْ مُتَابَعَةِ الْأَفْعَالِ لِلْعَاصِي أَنَّهَا عِلْمُ الْإِصْرَارِ؛ لِعِلْمِ الظَّاهِرِ، كَالشَّهَادَةِ الظَّاهِرَةِ، وَعَلَى أَنِّي عَلَى حَقِّ النَّظَرِ لَا أَجْعَلُ الْمُقِيمَ عَلَى الصَّغِيرَةِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا، مُرْتَكِبًا لِلْكَبِيرَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُقِيمًا عَلَى الْمَعْصِيَةِ الْمُخَالِفَةِ أَمْرَ اللَّهِ دَائِمًا. قَالَ: فَكُلُّ مَنْ ظَهَرَتْ عَدَالَتُهُ فَمَقْبُولٌ حَتَّى يُعْلَمَ الْجَرْحُ، وَلَيْسَ لِذَلِكَ غَايَةٌ يُحَاطُ بِهَا وَأَنَّهُ عَدْلٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَلَا يَكُونُ مَوْقُوفًا حَتَّى يُعْلَمَ الْجَرْحُ. اهـ.
وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الْقَوَاطِعِ ": لَا بُدَّ فِي الْعَدْلِ مِنْ أَرْبَعِ شَرَائِطَ: ١ - الْمُحَافَظَةُ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَةِ وَاجْتِنَابُ الْمَعْصِيَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute