أَظْهَرُ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَشْعَرِيَّةِ، وَعَلَيْهِ يَكُونُ الرَّسُولُ مُخَالِفًا لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ وَالْحَظْرَ شَرْعٌ مُخْتَصٌّ بِالرَّسُولِ دُونَ غَيْرِهِ، وَشَرَطَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ أَنْ لَا نَجِدَ لِلسُّكُوتِ مَحْمَلًا سِوَى التَّقْرِيرِ وَرَفْعِ الْحَرَجِ. فَلَوْ كَانَ مُشْتَغِلًا بِبَيَانِ حُكْمٍ مُسْتَغْرِقًا فِيهِ، فَرَأَى إنْسَانًا عَلَى أَمْرٍ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ، فَلَا يَكُونُ تَرْكُهُ ذَلِكَ تَقْرِيرًا إذْ لَا يُمْكِنُهُ تَقْرِيرُ جَمِيعِ الْمَوَانِعِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ. قَالَ: وَلِهَذَا أَقُولُ: لَيْسَ كُلُّ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّاسُ فِي صَدْرِ الشَّرْعِ، ثُمَّ تَغَيَّرَ الْأَمْرُ لَا يُدَّعَى فِيهِ النَّسْخُ، بَلْ إذَا ثَبَتَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، ثُمَّ تَغَيَّرَ فَهُوَ النَّسْخُ. فَأَمَّا مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّاسُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ قَرَّرَ الرَّسُولُ فِيهِ حُكْمًا، فَلَا يُقَالُ: كَانَ ذَلِكَ الْمُتَقَدِّمُ شَرْعًا مُسْتَمِرًّا ثُمَّ نُسِخَ، إذْ رُبَّمَا لَمْ يَتَفَرَّغْ الرَّسُولُ لِبَيَانِهِ، أَوْ لَمْ يَتَذَكَّرْهُ.
مِثَالُهُ: قَوْلُ الْخَصْمِ فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكَاتِ: كَانَ قَدْ تَقَرَّرَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ انْتِفَاءُ الْحَظْرِ فِي الْمَنْكُوحَاتِ، ثُمَّ طَرَأَ الْحَظْرُ، فَنُسِخَ ذَلِكَ الْحُكْمُ، وَهَذَا مُجَازَفَةٌ: إذْ مِنْ الْمُمْكِنِ أَنَّهُمْ كَانُوا، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَرْعًا، بَلْ جَرْيًا عَلَى حُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ. ثُمَّ بَيَّنَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ بَيَانًا مُبْتَدَأً، وَأَمَّا إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ سُكُوتُهُ مَحْمُولًا عَلَى أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْحُكْمَ، لَمْ يُقْطَعْ بِمَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ التَّقْرِيرِ، بَلْ يُقَالُ بِانْتِفَاءِ الْحُكْمِ إذْ لَا عُثُورَ فِيهِ عَلَى شَرْعٍ؛ لِانْدِرَاسِ الشَّرَائِعِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَهَذَا لَا يُقْضَى فِيهِ بِحُكْمٍ أَصْلًا. اهـ.
[صُوَرُ التَّقْرِيرِ]
[صُوَرُ التَّقْرِيرِ] ثُمَّ فِي التَّقْرِيرِ صُوَرٌ تَعَرَّضَ لَهَا الشَّيْخُ فِي شَرْحِ الْإِلْمَامِ ": إحْدَاهَا: أَنْ يُخْبِرَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ وُقُوعِ فِعْلٍ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي عَلَى وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَيَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، هَلْ هُوَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute