[اتِّفَاقُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَاتِبُ عِدَّةٌ]
ٌ] وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: التَّحْقِيقُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا مَا يَقُولُ بِهِ جُمْهُورُهُمْ. وَمِنْهَا مَا يَقُولُ بِهِ بَعْضُهُمْ. فَالْمَرَاتِبُ أَرْبَعَةٌ: إحْدَاهَا: مَا يَجْرِي مَجْرَى النَّقْلِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَنَقْلِهِمْ لِمِقْدَارِ الصَّاعِ وَالْمُدِّ، فَهَذَا حُجَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ. وَلِهَذَا رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ إلَى مَالِكٍ فِيهِ، وَقَالَ: لَوْ رَأَى صَاحِبِي كَمَا رَأَيْت لَرَجَعَ كَمَا رَجَعْت، وَرَجَعَ إلَيْهِ فِي الْخَضْرَاوَاتِ. فَقَالَ: هَذِهِ بِقَائِلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهَا صَدَقَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا أَبِي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ، وَسَأَلَ عَنْ الْأَحْبَاسِ. فَقَالَ: هَذَا حَبِيسُ فُلَانٍ، وَهَذَا حَبِيسُ فُلَانٍ، فَذَكَرَ أَعْيَانَ الصَّحَابَةِ. فَقَالَ لَهُ: أَبُو يُوسُفَ: وَكُلُّ هَذَا قَدْ رَجَعْت إلَيْك. الثَّانِيَةُ: الْعَمَلُ الْقَدِيمُ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ، فَهَذَا كُلُّهُ هُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ حُجَّةٌ عِنْدَنَا أَيْضًا. وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ. فَقَالَ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى: إذَا رَأَيْت قُدَمَاءَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى شَيْءٍ فَلَا يَبْقَ فِي قَلْبِك رَيْبٌ أَنَّهُ الْحَقُّ، وَكَذَا هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، فَإِنَّ عِنْدَهُ أَنَّ مَا سَنَّهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ حُجَّةٌ يَجِبُ اتِّبَاعُهَا، وَقَالَ أَحْمَدُ: كُلُّ بَيْعَةٍ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ فَهِيَ خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ بَيْعَةَ الصِّدِّيقِ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُعْقَدْ بِهَا بَيْعَةٌ، وَيُحْكَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ قَوْلَ الْخُلَفَاءِ عِنْدَهُ حُجَّةٌ.
الثَّالِثَةُ: إذَا تَعَارَضَ فِي الْمَسْأَلَةِ دَلِيلَانِ كَحَدِيثَيْنِ وَقِيَاسَيْنِ فَهَلْ يُرَجَّحُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute