أَحَدُهُمَا بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؟ وَهَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ. فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ مُرَجَّحٌ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى الْمَنْعِ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ، وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَالثَّانِي: مُرَجَّحٌ، وَبِهِ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَنُقِلَ عَنْ نَصِّ أَحْمَدَ، وَمِنْ كَلَامِهِ: إذَا رَوَى أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَدِيثًا وَعَمِلُوا بِهِ فَهُوَ الْغَايَةُ. الرَّابِعَةُ: النَّقْلُ الْمُتَأَخِّرُ بِالْمَدِينَةِ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي " الْمُلَخَّصِ ". فَقَالَ: إنَّ هَذَا لَيْسَ إجْمَاعًا وَلَا حُجَّةً عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، وَإِنَّمَا يَجْعَلُهُ حُجَّةً بَعْضُ أَهْلِ الْمَغْرِبِ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلَيْسَ هَؤُلَاءِ مِنْ أَئِمَّةِ النَّظَرِ وَالدَّلِيلِ، وَإِنَّمَا هُمْ أَهْلُ تَقْلِيدٍ. وَجَعَلَ أَبُو الْحَسَنِ الْإِبْيَارِيُّ الْمَرَاتِبَ خَمْسَةً: أَحَدُهَا: الْأَعْمَالُ الْمَنْقُولَةُ عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِالِاسْتِفَاضَةِ، فَلَا خِلَافَ فِي اعْتِمَادِهَا. ثَانِيهَا: أَنْ يَرْوُوا أَخْبَارًا وَيُخَالِفُوهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ. قَالَ: وَاخْتَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الرَّاوِيَ الْوَاحِدَ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ سَقَطَ التَّمَسُّكُ بِرِوَايَتِهِ، وَيَرْجِعُ إلَى عَمَلِهِ فَمَا الظَّنُّ بِعُلَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ جُمْلَةً. ثَالِثُهَا: أَنْ لَا يَنْقُلُوا الْخَبَرَ، وَلَكِنْ يُصَادَفُ خَبَرٌ عَلَى نَقِيضِ حُكْمِهِمْ، فَهَذِهِ أَضْعَفُ مِنْ الْأُولَى، وَلَكِنْ غَلَبَةُ الظَّنِّ حَاصِلَةٌ بِأَنَّ الْخَبَرَ لَا يَخْفَى عَنْ جَمِيعِهِمْ؛ لِهُبُوطِ الْوَحْيِ فِي بَلَدِهِمْ، وَمَعْرِفَتِهِمْ بِالسُّنَّةِ، وَلِهَذَا كَانُوا يَرْجِعُونَ إلَيْهِمْ. وَيَبْعَثُونَ يَسْأَلُونَ مِنْهُمْ، فَيُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ مَا لَوْ رَأَوْا وَخَالَفُوا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute