[مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ فِي اشْتِقَاقِ الْأَفْعَالِ مِنْ الْمَصَادِرِ]
التَّنْبِيهُ] الْخَامِسُ [مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ] [فِي اشْتِقَاقِ الْأَفْعَالِ مِنْ الْمَصَادِرِ]
مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ أَنَّ الْمَصَادِرَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْأَفْعَالِ، وَعَكَسَ الْبَصْرِيُّونَ ذَلِكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ مَفْهُومَهُ وَاحِدٌ، وَمَفْهُومَ الْفِعْلِ مُتَعَدِّدٌ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْحَدَثِ وَالزَّمَانِ، وَالْوَاحِدُ قَبْلَ الْمُتَعَدِّدِ، وَإِذَا كَانَ أَصْلًا لِلْأَفْعَالِ يَكُونُ أَصْلًا لِمُتَعَلِّقَاتِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ اسْمٌ، وَالِاسْمُ مُسْتَغْنٍ عَنْ الْفِعْلِ.
وَيُقَالُ: مَصْدَرٌ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَصْدُرُ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ الصِّفَاتُ كَأَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ وَالْمَفْعُولِينَ، وَتَوَسَّطَ الْفَارِسِيُّ فَقَالَ: الصِّفَاتُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْأَفْعَالِ لِجَرَيَانِهَا عَلَيْهَا، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْقَوْلِ بِهِ فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مُشْتَقَّةً مِنْ الْأَفْعَالِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَالْأَفْعَالُ أُصُولُهَا الْقَرِيبَةُ، وَالْمَصَادِرُ أُصُولُهَا الْبَعِيدَةُ. وَذَهَبَ أَبُو بَكْرِ بْنُ طَلْحَةَ إلَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَصْدَرِ وَالْفِعْلِ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ، لَيْسَ أَحَدُهُمَا مُشْتَقًّا مِنْ الْآخَرِ، فَالْحَاصِلُ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ.
وَقَدْ اسْتَشْكَلَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ حَقِيقَةَ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ: إنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمَا حَقِيقَةٌ وَالْآخَرَ مَجَازٌ، فَالْحَقِيقَةُ أَصْلٌ لِلْمَجَازِ، فَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ، فَلَا خِلَافَ أَنَّا إذَا قُلْنَا: قَامَ زَيْدٌ قِيَامًا، فَإِنَّ قَوْلَنَا: " قَامَ " لَفْظَةٌ مِنْ الْحَقَائِقِ لَا تَجَوُّزَ فِيهَا، وَقَوْلُنَا " قِيَامًا " لَفْظَةٌ مِنْ الْحَقَائِقِ لَا تَجَوُّزَ فِيهَا أَيْضًا، فَقَدْ وَضَحَ بُطْلَانُ صَرْفِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْفَرْعِيَّةِ إلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَإِنْ أَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ هَذَا أَصْلٌ وَهَذَا فَرْعٌ أَنَّ اللَّفْظَيْنِ حَقِيقَتَانِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute