وُجُودِ مُجْتَهِدٍ حَيٍّ خِلَافٌ، وَإِمَّا أَنْ يَتَّفِقَ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُقَلَّدُ حِينَئِذٍ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِالْمُجْتَهِدِ الْحَيِّ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْغَزَالِيِّ، وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. وَثَانِيهِمَا: إذَا خَلَا عَنْ مُجْتَهِدٍ، وَنَقَلَ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ نَاقِلُونَ، هَلْ يُؤْخَذُ بِنَقْلِ كُلِّ عَدْلٍ، أَمْ لَا يُؤْخَذُ إلَّا بِنَقْلِ عَارِفٍ مُجْتَهِدٍ فِي مَذْهَبِ مَنْ يَنْقُلُ عَنْهُ؟ هَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ.
وَقَوْلُ الْإِمَامِ: " فُتْيَا غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ بِقَوْلِ الْمَيِّتِ لَا يَجُوزُ "، إنْ أَرَادَ رِوَايَتَهُ، فَهِيَ مَقْبُولَةٌ قَطْعًا إذَا كَانَ عَدْلًا، وَأَمَّا الْعَمَلُ بِالْمَرْوِيِّ، فَإِنْ كَانَ حَيًّا فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَهِيَ مَسْأَلَةُ تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ هَذَا إذَا كَانَ نَاقِلًا مَحْضًا عَنْ نَصٍّ، أَمَّا إذَا كَانَ مُخْرِجًا فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، لِأَنَّ الْعَامِّيَّ الصِّرْفَ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى التَّخْرِيجِ، فَلَا يُمْكِنُهُ، فَعَلَى هَذَا فَالْخِلَافُ فِي النَّاقِلِ الْمَحْضِ، وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ الْهِنْدِيُّ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ إلَّا بِنَقْلِ مُجْتَهِدٍ فِي الْمَذْهَبِ، قَادِرٍ عَلَى النَّظَرِ فِي الْمُنَاظَرَةِ، وَرَجَّحَ غَيْرُهُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِنَقْلِ كُلِّ عَدْلٍ، وَلَا يَخْفَى فِي أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ التَّعَارُضِ فِي النَّقْلِ. .
فَرْعٌ لَوْ اسْتَفْتَى مُجْتَهِدًا فَأَجَابَهُ، وَلَمْ يَعْمَلْ بِفَتْوَاهُ حَتَّى مَاتَ الْمُجْتَهِدُ. فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِفَتْوَاهُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ،: وَالْجَوَازُ هُنَا أَقْرَبُ مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا. .
[مَسْأَلَةٌ غَرِيبَةٌ تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى]
مَنْ عَاصَرَ مُفْتِيًا أَفْتَى بِشَيْءٍ، وَصَادَفَ فَتْوَاهُ مُخَالِفَةً لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ الَّذِي تَقَلَّدَهُ، فَهَلْ يَتَّبِعُ الْمُفْتِيَ، لِأَنَّهُ لَا يُخَالِفُهُ إلَّا بَعْدَ اعْتِقَادِ تَأْوِيلِهِ، أَوْ الْإِمَامَ الْمُتَقَدِّمَ، لِظُهُورِ كَلَامِهِ؟ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْغِيَاثِيِّ وَقَالَ: فِيهِ تَرَدُّدٌ، ثُمَّ قَالَ: وَالِاخْتِيَارُ اتِّبَاعُ مُفْتِي الزَّمَانِ، مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بِتَأَخُّرِهِ سَبَرَ مَذَاهِبَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، وَنَظَرُهُ فِي التَّفَاصِيلِ أَشَدُّ مِنْ نَظَرِ الْمُقَلَّدِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute