للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَسْأَلَتَانِ. إحْدَاهُمَا: هَلْ يَجُوزُ أَنْ تَشْتَرِكَ الْأُمَّةُ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ بِمَا لَمْ يُكَلَّفُوا بِهِ؟ قَوْلَانِ. الثَّانِيَةُ: هَلْ يُمْكِنُ وُجُودُ خَبَرٍ أَوْ دَلِيلٍ لَا تَعَارُضَ فِيهِ، وَتَشْتَرِكُ الْأُمَّةُ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ؟ وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ مُرَتَّبٌ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا، فَمَنْ مَنَعَهُ هُنَاكَ لَمْ يُجَوِّزْ هَذَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَمَنْ جَوَّزَ هُنَاكَ، اخْتَلَفُوا عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ: الْمَنْعُ مُطْلَقًا، وَالْجَوَازُ مُطْلَقًا، وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَمَلُهُمْ مُوَافِقًا لِمُقْتَضَاهُ فَيَجُوزُ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذُهُولُهُمْ عَمَّا كُلِّفُوا بِهِ، وَإِلَّا لَزِمَ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الْخَطَأِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.

[مَسْأَلَةٌ إذَا أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِ الْخَبَرِ]

ِ] إذَا ذَكَرَ وَاحِدٌ مِنْ الْمُجْمِعِينَ خَبَرًا عَنْ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، يَشْهَدُ بِضِدِّ الْحُكْمِ الَّذِي انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، قَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْوَجِيزِ ": يَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ، وَالْإِصْرَارُ عَلَى الْإِجْمَاعِ، وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ: بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إلَى مُوجَبِ الْحَدِيثِ. وَقَالَ قَوْمٌ: إنَّ ذَلِكَ يَسْتَحِيلُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ الْمَذَاهِبِ. فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَصَمَ الْأُمَّةَ عَنْ نِسْيَانِ حَدِيثٍ فِي الْحَادِثَةِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ خَرَجَ الْإِجْمَاعُ عَنْ أَنْ يَكُونَ قَطْعِيًّا. وَبَنَاهُ فِي الْأَوْسَطِ " عَلَى الْخِلَافِ فِي انْقِرَاضِ الْعَصْرِ، فَمَنْ قَالَ: لَيْسَ بِشَرْطٍ مَنَعَ الرُّجُوعَ، وَمَنْ اشْتَرَطَ جَوَّزَهُ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يَتَطَرَّقُ إلَى الْحَدِيثِ احْتِمَالَاتٌ مِنْ النَّسْخِ وَالتَّخْصِيصِ مَا لَا يَتَطَرَّقُ إلَى الْإِجْمَاعِ، بَلْ لَوْ قَطَعْنَا بِالْإِجْمَاعِ فِي صُورَةٍ، ثُمَّ وَجَدْنَا عَلَى خِلَافِهِ نَصًّا قَاطِعًا مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ، لَكَانَ الْإِجْمَاعُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النَّسْخَ بِخِلَافِ النَّصِّ، فَإِنَّهُ يَقْبَلُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>