وَفِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ يُسْتَدَلُّ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى نَاسِخٍ بَلَغَهُمْ أَوْ مُوجَبٍ لِتَرْكِهِ، وَلِهَذَا قَدَّمَ الشَّافِعِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى النَّصِّ لَمَّا رَتَّبَ الْأَدِلَّةَ. قُلْت: وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الْإِجْمَاعُ أَكْثَرُ مِنْ الْخَبَرِ الْمُنْفَرِدِ، وَعَلَى هَذَا، فَيَجِبُ عَلَى الرَّاوِي لِلْخَبَرِ أَنْ يَتْرُكَ الْعَمَلَ بِمُقْتَضَى خَبَرِهِ، وَيَتَمَسَّكَ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ فِي بَابِ التَّرَاجِيحِ مِنْ الْبُرْهَانِ ": إذَا أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِ الْخَبَرِ تَطَرَّقَ الْوَهْنُ إلَى رِوَايَةِ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ آحَادًا فَذَاكَ، وَإِنْ كَانَ مُتَوَاتِرًا فَالتَّعَلُّقُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ، وَأَمَّا الْخَبَرُ فَيَتَطَرَّقُ إلَيْهِ إمْكَانُ النَّسْخِ، فَيُحْمَلُ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا عَلَى قَطْعٍ، وَيُحْمَلُ الْخَبَرُ عَلَى مُقْتَضَى النَّسْخِ اسْتِنَادًا وَتِبْيَانًا، لَا عَلَى طَرِيقِ الْبِنَاءِ، ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْجَوَازِ، وَقَطَعَ بِأَنَّهُ غَيْرُ وَاقِعٍ، ثُمَّ قَالَ: مِنْ ضَرُورَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى مُنَاقَضَةِ النَّصِّ الْمُتَوَاتِرِ أَنْ يَلْهَجَ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ بِكَوْنِهِ مَنْسُوخًا. قُلْت: وَيُحْتَمَلُ تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ بِانْقِرَاضِ الْعَصْرِ، وَإِلَّا فَيُمْكِنُ أَنْ يَتَطَرَّقَ عَدَمُ الْحُجِّيَّةِ إلَيْهِ بِرُجُوعِهِمْ عَنْهُ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ رُجُوعِهِمْ.
مَسْأَلَةٌ [إذَا أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِ الْخَبَرِ ثُمَّ رَجَعُوا إلَى الْخَبَرِ] فَلَوْ رَجَعَ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ لِلْخَبَرِ، فَعَمِلُوا بِمُقْتَضَاهُ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: كَانَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ حَقًّا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، إذْ لَمْ يُكَلَّفُوا بِمَا لَمْ يُبَلَّغُوا، كَمَا يَكُونُ الْحُكْمُ الْمَنْسُوخُ حَقًّا قَبْلَ بُلُوغِ النَّاسِخِ، وَنُوزِعَ فِي ذَلِكَ بِلُزُومِ إجْمَاعَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ، يَنْسَخُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَالظَّاهِرُ الْحُكْمُ بِإِحَالَةِ هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ تَخْطِئَةُ أَحَدِ الْإِجْمَاعَيْنِ، وَهُوَ مُحَالٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute