[السَّابِعَةُ أَخْبَرَ وَاحِدٌ بِحَضْرَةِ خَلْقٍ كَثِيرٍ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ التَّوَاطُؤُ عَلَى الْكَذِبِ وَلَمْ يَكْذِبُوهُ]
السَّابِعَةُ: إذَا أَخْبَرَ وَاحِدٌ بِحَضْرَةِ خَلْقٍ كَثِيرٍ، لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ التَّوَاطُؤُ عَلَى الْكَذِبِ، وَلَمْ يَكْذِبُوهُ وَعُلِمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذِبًا لَعَلِمُوهُ، وَلَا حَامِلَ لَهُمْ عَلَى سُكُوتِهِمْ، كَالْخَوْفِ وَالطَّمَعِ، يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ قَطْعًا. قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَسُلَيْمٌ، وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَالْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ، وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ، وَالْغَزَالِيُّ، وَابْنُ الصَّبَّاغِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ. قَالَ الْأُسْتَاذُ: وَبِهَذَا النَّوْعِ أَثْبَتْنَا كَثِيرًا مِنْ مُعْجِزَاتِ الرَّسُولِ. قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: لَكِنَّ الْعِلْمَ بِذَلِكَ نَظَرِيٌّ، بِخِلَافِ الْمُتَوَاتِرِ، فَإِنَّهُ ضَرُورِيٌّ، وَقِيلَ: لَيْسَ صِدْقُهُ قَطْعِيًّا، وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ وَالْآمِدِيَّ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ اطِّلَاعٌ عَلَى كَذِبِهِ أَوْ صِدْقِهِ، أَوْ اطَّلَعَ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ، وَالْعَادَةُ لَا تُحِيلُ سُكُوتَ هَذَا الْبَعْضِ، وَبِتَقْدِيرِ اطِّلَاعِ الْكُلِّ يُحْتَمَلُ أَنَّ مَانِعًا مَنَعَهُمْ مِنْ التَّصَرُّفِ بِتَكْذِيبِهِ، وَمَعَ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ يَمْتَنِعُ الْقَطْعُ بِتَصْدِيقِهِ. وَهَذِهِ الِاحْتِمَالَاتُ ضَعِيفَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ عِنْدَ انْتِفَائِهَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ، فَحِينَئِذٍ سُكُوتُهُمْ بِمَثَابَةِ قَوْلِهِمْ: صَدَقْت.
وَفَصَّلَ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ " وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ فَقَالَا: إنْ أَخْبَرَ بِأَمْرٍ ضَرُورِيٍّ دَلَّ عَلَى الصِّدْقِ، وَإِنْ أَخْبَرَ بِأَمْرٍ نَظَرِيٍّ، فَسَكَتُوا لَمْ يَكُنْ سُكُوتُهُمْ بِمَثَابَةِ تَصْرِيحِهِمْ بِالْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ مَحَلُّ الِاجْتِهَادِ. وَفَصَّلَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ بَيْنَ أَنْ يَتَمَادَى عَلَى ذَلِكَ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ، وَلَا يَظْهَرُ مِنْهُمْ مُنْكِرٌ، فَيَدُلُّ عَلَى الصِّدْقِ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ: وَأَلْحَقَ بِهِ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ مُضَافًا إلَى حَالٍ قَدْ شَاهَدَهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، ثُمَّ يَرْوِيهِ وَاحِدٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute