[التَّجَوُّزُ بِالْمَجَازِ عَنْ الْمَجَازِ]
مَسْأَلَةٌ [التَّجَوُّزُ بِالْمَجَازِ عَنْ الْمَجَازِ] يُتَجَوَّزُ بِالْمَجَازِ عَنْ الْمَجَازِ خِلَافًا لِلْآمِدِيِّ، ذَكَرَهُ فِي التَّرْجِيحِ بَيْنَ الْمَجَازِ وَالِاشْتِرَاكِ، وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ الْمَجَازُ الْمَأْخُوذُ عَنْ الْحَقِيقَةِ بِمَثَابَةِ الْحَقِيقَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَجَازٍ آخَرَ، فَيُتَجَوَّزُ بِالْمَجَازِ الْأَوَّلِ عَنْ الثَّانِي لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّانِي. وَلَهُ أَمْثِلَةٌ. مِنْهَا: قَوْله تَعَالَى: {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: ٢٣٥] فَإِنَّهُ مَجَازٌ عَنْ مَجَازٍ، فَإِنَّ الْوَطْءَ تَجَوَّزَ عَنْهُ السِّرُّ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ غَالِبًا فِي السِّرِّ فَلَمَّا لَازَمَهُ سُمِّيَ سِرًّا، وَتَجَوَّزَ بِالسِّرِّ عَنْ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِيهِ، فَالْمُصَحِّحُ لِلْمَجَازِ الْأَوَّلِ الْمُلَازَمَةُ، وَالْمُصَحِّحُ لِلْمَجَازِ الثَّانِي التَّعْبِيرُ بِاسْمِ الْمُسَبَّبِ الَّذِي هُوَ السِّرُّ عَنْ الْعَقْدِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ، كَمَا سُمِّيَ عَقْدُ النِّكَاحِ نِكَاحًا، لِكَوْنِهِ سَبَبًا فِي النِّكَاحِ، وَكَذَلِكَ سُمِّيَ الْعَقْدُ سِرًّا؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِي السِّرِّ الَّذِي هُوَ النِّكَاحُ، فَهَذَا مَجَازٌ عَنْ مَجَازٍ مَعَ اخْتِلَافِ الْمُصَحِّحِ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ: {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: ٢٣٥] لَا تُوَاعِدُوهُنَّ عَقْدَ نِكَاحٍ. وَمِنْهَا: قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة: ٥] إذَا حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مَجَازٌ عَنْ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ بِمَدْلُولِ هَذَا اللَّفْظِ، وَالتَّعْبِيرُ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ عَنْ الْوَحْدَانِيَّةِ مِنْ مَجَازِ التَّعْبِيرِ بِالْقَوْلِ عَنْ الْقَوْلِ مِنْهُ، وَالْأَوَّلُ مِنْ مَجَازِ التَّعْبِيرِ بِلَفْظِ السَّبَبِ عَنْ الْمُسَبَّبِ؛ لِأَنَّ تَوْحِيدَ اللِّسَانِ مُسَبَّبٌ عَنْ تَوْحِيدِ الْجِنَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute