مَعَ الْعِلْمِ بِهِ دَلَّ عَلَى نَسْخِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ تَقْدِيمًا لِأَقْضِيَتِهِمْ عَلَى الْخَبَرِ، بَلْ هُوَ تَمَسُّكٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ حَمْلِهِ عَلَى وَجْهٍ مُمْكِنٍ مِنْ الصَّوَابِ، فَكَانَ تَعَلُّقًا بِالْإِجْمَاعِ فِي مُعَارَضَةِ الْحَدِيثِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغُهُمْ أَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمْ، فَالتَّعَلُّقُ حِينَئِذٍ وَاجِبٌ، وَظَنِّيٌّ بِدِقَّةِ نَظَرِ الشَّافِعِيِّ فِي أُصُولِ الشَّرِيعَةِ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْخَبَرُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ. وَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ بَلَغَهُمْ وَتَحَقَّقْنَا مُخَالَفَةَ عَمَلِهِمْ لَهُ، فَهَذَا مَقَامُ التَّوَقُّفِ، فَإِنْ لَمْ نَجِدْ فِي الْوَاقِعَةِ سِوَى الْخَبَرِ وَالْأَقْضِيَةِ تَعَلَّقْنَا بِالْخَبَرِ، وَإِنْ وَجَدْنَا غَيْرَهُ تَعَيَّنَ التَّعَلُّقُ بِهِ. قَالَ: وَمِنْ بَدِيعِ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَنَبَّهُ لَهُ أَنَّ مَذَاهِبَ أَئِمَّةِ الصَّحَابَةِ إذَا نُقِلَتْ مِنْ غَيْرِ إجْمَاعٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، فَإِذَا نُقِلَتْ فِي مُعَارَضَةِ خَبَرٍ نَصَّ عَلَى الْمُخَالَفَةِ تَعَلَّقْنَا بِهَا، وَلَيْسَ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَعَلُّقٌ بِالْمَذَاهِبِ، بَلْ بِمَا صَدَرَتْ عَنْهُ مَذَاهِبُهُمْ. قَالَ: وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَئِمَّةِ الصَّحَابَةِ يَطَّرِدُ فِي أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ، وَفِي أَئِمَّةِ كُلِّ عَصْرٍ مَا لَمْ يُوقَفْ عَلَى خَبَرٍ.
[مَسْأَلَةٌ رَدُّ الْحَدِيثِ بِعَمَلِ الرَّاوِي بِخِلَافِهِ]
ِ] وَلَا يَضُرُّ عَمَلُ الرَّاوِي بِخِلَافِهِ، خِلَافًا لِجُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ، وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ، حَيْثُ قَدَّمُوا رَأْيَهُ عَلَى رِوَايَتِهِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُوجِبُوا التَّسْبِيعَ بِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ، لِمُخَالَفَتِهِ إيَّاهُ. وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ وَأَبُو الْحُسَيْنِ: إنْ لَمْ يَكُنْ لِمَذْهَبِهِ وَتَأْوِيلِهِ وَجْهٌ إلَّا أَنَّهُ عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَرَادَ ذَلِكَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الْخَبَرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute