قَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ: وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَلِهَذَا لَوْ صَرَّحَ بِنَفْيِ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ، وَتَحْرِيمِ الضَّرْبِ لَمْ يَكُنْ تَنَاقُضًا، وَهُوَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: نَسْخُ الْوُجُوبِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْجَوَازَ أَلْزَمُ. وَبَنَوْا عَلَيْهِ أَنَّ نَسْخَ قَوْلِهِ: «مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ» لَا يَقْتَضِي نَسْخَ مَفْهُومِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِقَتْلِ عَبْدِ غَيْرِهِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى. وَاخْتَارَ الْآمِدِيُّ أَنَّا إنْ قُلْنَا: الْفَحْوَى ثَبَتَ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ، فَهِيَ عَلَى تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ صَرِيحَةٌ، وَعَلَى الضَّرْبِ الْتِزَامِيَّةٌ فَهُمَا دَلَالَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ رَفْعِ إحْدَاهُمَا رَفْعُ الْأُخْرَى، وَإِنْ قُلْنَا: ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ رَفْعَ حُكْمِ الْأَصْلِ مُوجِبًا لِرَفْعِ حُكْمِ الْفَرْعِ، لِاسْتِحَالَةِ بَقَاءِ الْفَرْعِ دُونَ أَصْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ ذَلِكَ نَسْخًا، وَإِنَّ رَفْعَ حُكْمِ الْفَرْعِ لَا يُوجِبُ رَفْعَ حُكْمِ الْأَصْلِ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ رَفْعِ التَّابِعِ رَفْعُ الْمَتْبُوعِ.
[زَوَالَ الْحُكْمِ لِزَوَالِ سَبَبِهِ لَا يَكُونُ نَسْخًا]
فَرْعَانِ
الْأَوَّلُ: زَعَمَ فِي " الْمَحْصُولِ " أَنَّ الْعَقْلَ يَكُونُ نَاسِخًا فِي حَقِّ مَنْ سَقَطَتْ رِجْلَاهُ، فَإِنَّ الْوُجُوبَ سَاقِطٌ عَنْهُ. وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ زَوَالَ الْحُكْمِ لِزَوَالِ سَبَبِهِ لَا يَكُونُ نَسْخًا كَمَا سَبَقَ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ ": لَا خِلَافَ، لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ إلَى مَعْرِفَةِ النَّاسِخِ مِنْ نَاحِيَةِ ضَرُورَتِهِ أَوْ دَلِيلِهِ نَعَمْ، حَكَى أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ فِي كِتَابِهِ عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّ ارْتِفَاعَ الْحُكْمِ لِارْتِفَاعِ شَرْطِهِ أَوْ سَبَبِهِ يُسَمَّى نَسْخًا.
الثَّانِي: وَقَعَ فِي الْمَحْصُولِ فِي مَسْأَلَةِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ مَا يَقْتَضِي جَعْلَ الْمَوْتِ نَسْخًا، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ، لَكَانَ كُلُّ حُكْمٍ مَنْسُوخًا وَانْتَقَضَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute