[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ أَقْسَامِ الرُّخْصَةِ]
فِي أَقْسَامِ الرُّخْصَةِ:
وَقَدْ قَسَّمَهَا الْأُصُولِيُّونَ إلَى ثَلَاثَةٍ: وَاجِبَةٌ، وَمَنْدُوبَةٌ، وَمُبَاحَةٌ. فَالْوَاجِبَةُ كَإِسَاغَةِ اللُّقْمَةِ بِالْخَمْرِ لِمَنْ غَصَّ بِاللُّقْمَةِ، وَكَتَنَاوُلِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ بِنَاءً عَلَى النُّفُوسِ حَقُّ اللَّهِ وَهِيَ أَمَانَةٌ عِنْدَ الْمُكَلَّفِينَ، فَيَجِبُ حِفْظُهَا لِيَسْتَوْفِيَ اللَّهَ حَقَّهُ مِنْهَا بِالتَّكْلِيفِ.
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ عَزِيمَةً لِوُجُودِ الْمَلْزُومِ وَالتَّأْكِيدِ قَالَ: وَلَا مَانِعَ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ رُخْصَةً مِنْ وَجْهٍ وَعَزِيمَةً مِنْ وَجْهٍ، فَمِنْ حَيْثُ قَامَ الدَّلِيلُ الْمَانِعُ نُسَمِّيهِ رُخْصَةً، وَمِنْ حَيْثُ الْوُجُوبُ نُسَمِّيهِ عَزِيمَةً.
وَهَذَا التَّرَدُّدُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ سَبَقَهُ إلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ " وَتَرَدَّدَ فِي أَنَّ الْوَاجِبَاتِ هَلْ يُوصَفُ شَيْءٌ مِنْهَا بِالرُّخْصَةِ؟ وَقَالَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ مِنْ النِّهَايَةِ ": يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: أَكْلُ الْمَيْتَةِ لَيْسَ بِرُخْصَةٍ، فَإِنَّهُ وَاجِبٌ، وَلِأَجْلِهِ قَالَ صَاحِبُهُ إلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ ": الصَّحِيحُ عِنْدَنَا: أَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ عَزِيمَةٌ لَا رُخْصَةٌ، كَالْفِطْرِ لِلْمَرِيضِ فِي رَمَضَانَ، وَيَتَحَصَّلُ بِذَلِكَ فِي مُجَامَعَةِ الرُّخْصَةِ لِلْوُجُوبِ ثَلَاثُهُ أَقْوَالٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوُجُوبَ وَالِاسْتِحْبَابَ يُجَامِعُهَا، وَلَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي مُسَمَّاهَا وَالْمَنْدُوبَةُ كَالْقَصْرِ فِي السَّفَرِ إذَا بَلَغَ ثَلَاثَ مَرَاحِلَ، وَالْمُبَاحَةُ كَالْفِطْرِ فِي السَّفَرِ، وَلَيْسَ بِتَمْثِيلٍ صَحِيحٍ، لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ مَشَقَّةِ الصَّوْمِ وَيُكْرَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَشَقَّةِ، فَلَيْسَ لَهُ إبَاحَةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute