[فَصْلٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ]
ِ قَالَ الْقَرَافِيُّ: أَقَمْت زَمَانًا أَتَطَلُّبُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا بِالْحَقِيقَةِ حَتَّى وَجَدْته مُحَقَّقًا فِي كَلَامِ الْمَازِرِيِّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ "، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا بِاخْتِلَافِهِمَا فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ، وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ تَحْقِيقِ فَصْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَحَاصِلُ الْفَرْقِ أَنَّ الرِّوَايَةَ وَالشَّهَادَةَ خَبَرَانِ، غَيْرَ أَنَّ الْخَبَرَ إنْ كَانَ عَنْ حُكْمٍ عَامٍّ تَعَلَّقَ بِالْأُمَّةِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِمُعَيَّنٍ، مُسْتَنَدُهُ السَّمَاعُ، فَهُوَ الرِّوَايَةُ، وَإِنْ كَانَ خَبَرًا جُزْئِيًّا يَتَعَلَّقُ بِمُعَيَّنٍ مُسْتَنَدُهُ الْمُشَاهَدَةُ أَوْ الْعِلْمُ فَهُوَ الشَّهَادَةُ. فَالرِّوَايَةُ تَعُمُّ حُكْمَ الرَّاوِي وَغَيْرِهِ عَلَى مَمَرِّ الْأَزْمَانِ، وَالشَّهَادَةُ مَحْضُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَهُ، وَلَا يَتَعَدَّاهُمَا إلَّا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ بَابُ الرِّوَايَةِ أَوْسَعَ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ عَلَى التَّضْيِيقِ، وَالرِّوَايَةُ تَقْتَضِي شَرْعًا عَامًّا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِمُعَيَّنٍ، فَتَبْعُدُ فِيهِ التُّهْمَةُ، فَلِذَلِكَ تُوُسِّعَ فِيهِ، فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ انْتِفَاءُ الْقَرَابَةِ وَالْعَرَافَةِ، وَلَا وُجُودُ الْعَدَدِ، وَالذُّكُورَةُ، وَالْحُرِّيَّةُ. وَاسْتَشْكَلَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي هَذَا الْفَرْقِ بِأَنَّ عُمُومَ الْحُكْمِ يَقْتَضِي الِاحْتِيَاطَ وَالِاسْتِظْهَارَ بِالْعَدَدِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الرَّاوِيَ يُثْبِتُ حُكْمًا عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ، فَلَمْ يَتَطَرَّقْ إلَيْهِ التُّهْمَةُ. بِخِلَافِ الشَّاهِدِ، فَإِنَّهُ يُثْبِتُ حَقًّا عَلَى غَيْرِهِ، فَاحْتِيطَ لَهُ. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وُجُوهًا لِمُنَاسَبَةِ الْعَدَدِ فِي الشَّهَادَةِ دُونَ الرِّوَايَةِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute