[مَسْأَلَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إلَّا مُفْتٍ وَاحِدٌ]
ٌ تَعَيَّنَتْ مُرَاجَعَتُهُ. وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً فَهَلْ يَلْزَمُهُ النَّظَرُ فِي الْأَعْلَمِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي تَقْلِيدِ الْمَفْضُولِ: (أَحَدُهُمَا) - وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْقَفَّالُ - أَنَّ عَلَيْهِ اجْتِهَادًا آخَرَ فِي طَلَبِهِ، لِأَنَّهُ يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ بِالسَّمَاعِ مِنْ الثِّقَاتِ وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِ، وَصَحَّحَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَإِلْكِيَا، فَإِنَّ الْأَفْضَلَ أَهْدَى إلَى أَسْرَارِ الشَّرْعِ. وَ (الْمُخْتَارُ) أَنَّهُ لَا يَجِبُ، بَلْ يَتَخَيَّرُ وَيَسْأَلُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ: إنَّهُ الْأَصَحُّ، كَمَا لَا يَلْزَمُ الِاجْتِهَادُ فِي طَلَبِ الدَّلِيلِ. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْأَعْمَى: كُلُّ مَنْ دَلَّهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْقِبْلَةِ وَسِعَهُ اتِّبَاعُهُ وَلَمْ نَأْمُرْهُ بِالِاجْتِهَادِ فِي الْأَوْثَقِ، وَفِي خَبَرِ الْعَسِيفِ قَالَ وَالِدُ الزَّانِي: فَسَأَلْت رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُنَاكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَمُ الْكُلِّ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ. انْتَهَى. قَالَ إلْكِيَا: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الرَّأْيَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَلَا يَجِبُ الْأَفْضَلُ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى الصَّيْمَرِيِّ الْحَنَفِيِّ بِفَتْوَى أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْوَلِيُّ فَاسِقًا فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ ثَلَاثًا لَمْ يَنْفُذْ الطَّلَاقُ، وَلَهُ تَزْوِيجُهَا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ، فَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ: هَؤُلَاءِ قَدْ أَفْتَوْك أَنَّك كُنْت عَلَى فَرْجٍ حَرَامٍ، وَأَنَّهَا حَلَالٌ لَك الْيَوْمَ، وَأَنَا أَقُولُ لَك: إنَّهَا كَانَتْ مُبَاحَةً لَك قَبْلَ هَذَا وَهِيَ الْيَوْمَ حَرَامٌ عَلَيْك. وَقَصَدَ بِذَلِكَ رَدَّ الْعَامِّيِّ إلَى مَذْهَبِهِ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: فَرَجَعْت إلَى الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَحُكِيَتْ لَهُ الْقِصَّةَ فَقَالَ: كُنْت تَقُولُ: إنَّهُ كَمَا قُلْت بِهِ، غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُكَلِّفْهُ تَقْلِيدَ الصَّيْمَرِيِّ، وَإِنَّمَا كَلَّفَهُ تَقْلِيدَ مَنْ شَاءَ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَإِذَا قَلَّدَ ثِقَةٌ شَافِعِيًّا تَخَلَّصَ مِنْ الْإِثْمِ وَالتَّبِعَةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute