للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَسْأَلَةٌ إذَا قُلْنَا: لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي أَعْيَانِ الْمُفْتِينَ، هَلْ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي أَعْيَانِ الْمَسَائِلِ الَّتِي يُقَلِّدُ فِيهَا؟ بِحَيْثُ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ بَعْضَ الْمَسَائِلِ عَلَى مَذْهَبِ فَقِيهٍ أَقْوَى وَجَبَ عَلَيْهِ تَقْلِيدُهُ؟ اخْتَلَفَ جَوَابُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْقُدُورِيِّ، فَأَوْجَبَهُ الْقُدُورِيُّ وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لِلْعَامِّيِّ اسْتِحْسَانُ الْأَحْكَامِ فِيمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ وَلَا أَنْ يَقُولَ: قَوْلُ فُلَانٍ أَقْوَى مِنْ قَوْلِ فُلَانٍ، وَلَا حُكْمَ لِمَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ وَلَا اعْتِنَاءَ بِهِ، وَلَا طَرِيقَ لَهُ إلَى الِاسْتِحْسَانِ كَمَا لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى الصِّحَّةِ. وَلَوْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ أَحَدَهُمْ أَعْلَمُ، نَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَحْثُ عَنْ الْأَعْلَمِ إذَا لَمْ يَعْتَقِدْ اخْتِصَاصَ أَحَدِهِمْ بِزِيَادَةِ عِلْمٍ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا - وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا - فَفِيهِ نَظَرٌ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ سُؤَالِ آحَادِ الصَّحَابَةِ مَعَ وُجُودِ أَفَاضِلِهِمْ.

ثُمَّ قَالَ: " وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَالْمُخْتَارُ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ ". وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، لِمَا سَبَقَ مِنْ جَوَازِ تَقْلِيدِ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ. وَإِذَا قُلْنَا: يَطْلُبُ الْأَعْلَمَ، فَهَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَ الْأَوْرَعَ؟ كَذَلِكَ اخْتَلَفُوا: فَقِيلَ: عَلَيْهِ، اسْتِنْبَاطًا. وَقِيلَ: لَا، إذْ لَا تَعَلُّقَ لِمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ بِالْوَرَعِ، وَالْأَصَحُّ تَرْجِيحُ الرَّاجِحِ عِلْمًا عَلَى الرَّاجِحِ وَرَعًا. فَإِنْ اسْتَوَيَا قُدِّمَ الْأَسَنُّ، لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِصَابَةِ، لِطُولِ الْمُمَارَسَةِ. وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ مَذْهَبَيْنِ: أَحَدُهُمَا شَافِعِيٌّ مَثَلًا، وَالْآخَرُ حَنَفِيٌّ، فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُمَيِّزَ بَيْنَ أَصْلِ الْمَذْهَبَيْنِ فَيَعْلَمُ أَيَّهُمَا أَصَحَّ؟ قِيلَ: يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ أَنَّ أَحَدَهُمَا بَنَى مَذْهَبَهُ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَالرَّأْيِ، وَالْآخَرُ عَلَى النَّصِّ. وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ، لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَمِنْ ثَمَّ لَا يَجِبُ طَلَبُ الْأَعْلَمِ فِي الْأَصَحِّ.

وَقَالَ إلْكِيَا: أَمَّا اتِّبَاعُ الشَّافِعِيِّ أَوْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى التَّخْيِيرِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ مَعَ اخْتِلَافِ مَذَاهِبِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>