وَلِلْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَقَامَاتِ تَأْثِيرٌ، وَقَدْ ضَرَبَ لَهُ الْمَازِرِيُّ مَثَلًا حَسَنًا، وَهُوَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا غَصَّ بِلُقْمَةٍ أَوْ عَطِشَ فَأَمَرَ غُلَامَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ بِمَاءٍ حُلْوٍ فِي كُوزٍ وَأَنْ يَرْفُقَ فِي مَجِيئِهِ، وَلَا يَكُونُ مِنْهُ عَجَلَةٌ وَلَا لَعِبٌ فَلَهُ أَحْوَالٌ. أَحَدُهَا: أَنْ يَقْعُدَ فَلَا يَأْتِيهِ بِشَيْءٍ، فَالْمُخَالَفَةُ فِيهِ ظَاهِرَةٌ. وَالثَّانِي: أَنْ يَأْتِيَهُ بِالْكُوزِ لَيْسَ فِيهِ مَاءٌ فَهَذَا ارْتِكَابُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ هَذَا الْكُوزِ كَالْعَدَمِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَأْتِيَهُ بِالْكُوزِ وَفِيهِ مَاءٌ مَالِحٌ زُعَاقٌ فَهُوَ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ فِي الْمُخَالَفَةِ، وَارْتِكَابُهُ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ اللَّازِمَ لَهُ. الرَّابِعُ: أَنْ يَأْتِيَهُ بِكُوزِ مَاءٍ عَذْبٍ بَارِدٍ وَلَكِنَّهُ جَرَى فِي مَجِيئِهِ، وَخَالَفَ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا رَيْبَ فِي أَنَّ امْتِثَالَ الْمَقْصُودِ قَدْ حَصَلَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ خَالَفَ فِي أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ ذَلِكَ، فَهَذَا هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ لِغَيْرِهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَوَارَدْ فِيهِ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَأَقْوَى مَا يَرِدُ مَنْ قَالَ بِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ لِغَيْرِهِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ أَنَّ مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ قَضَاءُ دَيْنٍ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَدَائِهِ فَاشْتَغَلَ عَنْهُ بِالتَّحَرُّمِ بِصَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ، أَوْ إنْشَاءِ عَقْدِ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ فَإِنَّ صَلَاتَهُ لَا تَصِحُّ، وَكَذَلِكَ بَيْعُهُ وَنِكَاحُهُ، وَلَا قَائِلَ بِهِ.
[النَّهْيُ فِي الْمُعَامَلَاتِ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ]
[النَّهْيُ فِي الْمُعَامَلَاتِ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ] الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ أَصْحَابَنَا ذَكَرُوا أَنَّ النَّهْيَ فِي الْمُعَامَلَاتِ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ إنْ رَجَعَ إلَى أَمْرٍ دَاخِلٍ فِيهَا أَوْ لَازِمٍ لَهَا، فَإِنْ رَجَعَ إلَى أَمْرٍ خَارِجٍ لَمْ يَقْتَضِهِ، فَصَرَّحُوا بِالرَّاجِعِ إلَى أَمْرٍ دَاخِلٍ أَوْ خَارِجٍ أَوْ لَازِمٍ، وَسَكَتُوا عَمَّا شَكَكْنَا فِيهِ، هَلْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى الدَّاخِلِ أَوْ الْخَارِجِ؟ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ نَبَّهَ عَلَيْهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute