للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ ابْنُ فُورَكٍ: لَا مَعْنَى لِتَوْهِينِ الْحَدِيثِ، لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ، وَلَيْسَ بِمُنْكَرٍ اسْتِغْفَارُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لِأَنَّهَا لَا تَسْتَحِيلُ عَقْلًا، وَالْإِجَابَةُ مُمْكِنَةٌ. وَلَوْ خُلِّينَا وَظَاهِرَ الْآيَةِ لَكَانَ الزَّائِدُ عَلَى السَّبْعِينَ يَقْتَضِي الْغُفْرَانَ؛ لَكِنَّهُ نَزَلَ بَعْدَهُ: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: ٨٤] . فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى زَوَالِ حُكْمِ الْمَفْهُومِ؛ فَإِنَّ صَلَاتَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تُوجِبُ الْمَغْفِرَةَ، وَلِهَذَا امْتَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَدِينِ.

وَتَلَطَّفَ الْقَاضِي ابْنُ الْمُنِيرِ، فَقَالَ: لَعَلَّ الْقَصْدَ بِالِاسْتِغْفَارِ التَّخْفِيفُ كَمَا فِي دُعَائِهِ لِأَبِي طَالِبٍ. وَقَوْلُهُ: (لَأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ) أَيْ أَفْعَلُ ذَلِكَ لِأُثَابَ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ، فَإِنَّهُ عِبَادَةٌ. وَقَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ: إنَّ أَسْمَاءَ الْعَدَدِ نُصُوصٌ، لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ؛ بَلْ هِيَ نُصُوصٌ دَالَّةٌ بِقَرَائِن الْأَحْوَالِ إذَا قَصَدَ الْكَثْرَةَ، كَقَوْلِك: جِئْت أَلْفَ مَرَّةٍ. وَمِنْهُ حَثُّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى صَوْمِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ تِسْعَةُ أَيَّامٍ خَاصَّةً، وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ هَذِهِ الْعَشْرِ لَمْ يَكُنْ نَاذِرًا صَوْمَ يَوْمِ الْعِيدِ، وَلَا عَاصِيًا بِهَذَا اللَّفْظِ إجْمَاعًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَشَرَةَ قَدْ تُطْلَقُ عَلَى التِّسْعَةِ تَقْرِيبًا.

[النَّوْعُ السَّادِسُ مَفْهُومُ الْحَالِ]

أَيْ تَقْيِيدُ الْخِطَابِ بِالْحَالِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧]

<<  <  ج: ص:  >  >>