يُشْبِهُ اللَّقَبَ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا أَوْ مُثَنًّى، أَلَا تَرَى أَنَّك لَوْ قُلْت: رِجَالٌ، لَمْ يُتَوَهَّمْ أَنَّ صِيغَةَ الْجَمْعِ عَدَدٌ، وَلَا يُفْهَمُ مِنْهَا مَا يُفْهَمُ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْعَدَدِ، فَكَذَلِكَ الْمُثَنَّى، لِأَنَّهُ اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِاثْنَيْنِ، كَمَا أَنَّ الرِّجَالَ اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِمَا زَادَ، فَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ: (مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ) يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ حِلِّ مَيْتَةٍ ثَالِثَةٍ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَةٌ، لَمْ يَدُلَّ عَلَى عَدَمِ حِلِّ أُخْرَى.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ مِنْ أَشْهَرِ حِجَجِ الْمُثْبِتِينَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: ٨٠] قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ» فَعُلِمَ مِنْ الْآيَةِ أَنَّ حُكْمَ مَا زَادَ عَلَى السَّبْعِينَ بِخِلَافِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ قَالَهُ رَجَاءَ حُصُولِ الْمَغْفِرَةِ بِنَاءً عَلَى بَقَاءِ حُكْمِ الْأَصْلِ، فَإِنَّ رَجَاءَهَا كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ، لَا لِأَنَّهُ فَهِمَهُ مِنْ التَّقْيِيدِ. وَأَجَابَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ، وَالْإِمَامُ، وَالْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُمْ بِالطَّعْنِ فِي الْحَدِيثِ، وَقَالُوا لَمْ يَصِحَّ، وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، فَإِنَّهُ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ، لَكِنْ بِلَفْظِ سَأَزِيدُ عَلَى السَّبْعِينَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيَّ: فَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ: لَأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ، فَهِيَ رِوَايَةٌ بَاطِلَةٌ لَا تَصِحُّ، وَلَا تَجُوزُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ غُفْرَانُ ذَنْبِ الْكَافِرِ، وَإِنَّمَا الْمَرْوِيُّ: لَوْ عَلِمْت أَنْ يُغْفَرَ لَهُ إذَا زِدْت عَلَى السَّبْعِينَ لَزِدْت. قُلْت: هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ الْجَنَائِزِ بِلَفْظِ: «لَوْ عَلِمْت أَنِّي إنْ زِدْت عَلَى السَّبْعِينَ يُغْفَرُ لَهُ، لَزِدْت عَلَيْهَا» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute