للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ صِيغَةُ الْأَمْرِ]

فِي صِيغَتِهِ وَهِيَ " افْعَلْ " وَفِي مَعْنَاهُ " لِيَفْعَلْ ". قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: الْأَمْرُ بِلَفْظِ " افْعَلْ " وَلْيَفْعَلْ نَحْوَ، {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: ٤٣] {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنْجِيلِ} [المائدة: ٤٧] . وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّحْوِيُّونَ فِي أَصْلِ فِعْلِ الْأَمْرِ هَلْ هُوَ " افْعَلْ " أَوْ لِيَفْعَلْ "؟ فَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ " لِيَفْعَلْ "؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ مَعْنًى، وَالْأَصْلُ فِي الْمَعَانِي أَنْ تُسْتَفَادَ بِالْحُرُوفِ كَالنَّهْيِ وَغَيْرِهِ. وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ " افْعَلْ "؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْمَعْنَى بِنَفْسِهِ بِلَا وَاسِطَةٍ بِخِلَافِ " لِيَفْعَلْ " فَإِنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ اللَّامِ. حَكَاهُ الْعُكْبَرِيُّ فِي شَرْحِ الْإِيضَاحِ "، فَأَمَّا مُنْكِرُو الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ فَذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَضَعْ لَهُ صِيغَتَهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ عِنْدَهُمْ هُوَ الصِّيغَةُ، فَكَيْفَ تُوضَعُ صِيغَةٌ لِلصِّيغَةِ؟ وَإِضَافَتُهُ إلَيْهِ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ: الصِّيغَةُ الْعِبَارَةُ الْمَصُوغَةُ لِلْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالنَّفْسِيِّ، فَإِذَا قُلْنَا: هَلْ الْأَمْرُ صِيغَةٌ؟ فَالْمَعْنِيُّ بِهِ أَنَّ الْأَمْرَ الْقَائِمَ بِالنَّفْسِ هَلْ صِيغَتْ لَهُ عِبَارَةٌ مُشْعِرَةٌ بِهِ؟ وَمَنْ نَفَى كَلَامَ النَّفْسِ إذَا قَالَ: صِيغَةُ الْأَمْرِ كَذَا، فَنَفْسُ الصِّيغَةِ عِنْدَهُ هِيَ الْأَمْرُ، فَإِذَا أُضِيفَتْ الصِّيغَةُ إلَى الْأَوَامِرِ لَمْ تَكُنْ الْإِضَافَةُ حَقِيقِيَّةً، بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِك: نَفْسُ الشَّيْءِ ذَاتُهُ، وَلِرُجُوعِ أَقْسَامِ الْكَلَامِ عِنْدَهُمْ إلَى الْعِبَارَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>