وَأَمَّا أَصْحَابُنَا الْمُثْبِتُونَ لِكَلَامِ النَّفْسِ فَاخْتَلَفُوا هَلْ لِلْأَمْرِ صِيغَةٌ مَخْصُوصَةٌ؟ أَيْ: أَنَّ الْعَرَبَ صَاغَتْ لِلْأَمْرِ لَفْظًا يَخْتَصُّ بِهِ؛ أَيْ: وَضَعَتْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَا فِي النَّفْسِ لَفْظَةً تَدُلُّ عَلَى كَوْنِهَا أَمْرًا، وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّ لَهَا صِيغَةً فَمَا مُقْتَضَى تِلْكَ الصِّيغَةِ؟ فَأَمَّا الْأَوَّلُ: فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَمِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إلَى أَنَّ لَهُ صِيغَةً تَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ أَمْرًا إذَا تَجَرَّدَتْ عَنْ الْقَرَائِنِ، وَهُوَ قَوْلُ الْبَلْخِيّ، وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ. انْتَهَى. وَنُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ لَا صِيغَةَ لَهُ تَخْتَصُّ بِهِ، وَأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ " افْعَلْ " مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَإِنْ فُرِضَ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ النَّهْيِ، فَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ جَمِيعِ مُحْتَمَلَاتِهِ. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ، وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ: وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَنَسَبَهُ إلَى الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ ": لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٣] احْتَمَلَ أَمْرَيْنِ؛ قَالَ: فَلَمَّا احْتَمَلَ الشَّافِعِيُّ الْأَمْرَ فِي تِلْكَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ وُقِفَ بِهِ الدَّلِيلُ. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَهَذَا تَعَنُّتٌ مِنْ أَبِي الْعَبَّاسِ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ ذَلِكَ كَثِيرًا، وَيُرِيدُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَرِدَ دَلَالَةٌ تَخُصُّهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُخَلَّى وَالْإِطْلَاقُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ، كَمَا يَقُولُ بِمِثْلِهِ فِي الْعُمُومِ قَالَ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْأَمْرَ إذَا اقْتَرَنَ بِهِ الْوَعِيدُ يَكُونُ عَلَى الْوُجُوبِ. اهـ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَنْزِيلِ مَذْهَبِهِ، فَقِيلَ: اللَّفْظُ صَالِحٌ لِجَمِيعِ الْمَحَامِلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute