[مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ جَمْعُ الْجَمْعِ]
وَنَبَّهَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى فَائِدَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّهُ جَاءَ الْجَمْعُ فِي أَلْفَاظٍ مَسْمُوعَةٍ نَحْوُ: نَعَمٌ وَأَنْعَامٌ وَأَنَاعِيمُ، وَهَذَا جَمْعُ الْجَمْعِ. قَالَ: وَأَقَلُّهُ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ، لِأَنَّ النَّعَمَ اسْمٌ. لِلْجَمْعِ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ، وَأَنْعَامٌ جَمْعُهُ وَأَقَلُّهُ تِسْعَةٌ، وَأَنَاعِيمُ جَمْعُهُ وَأَقَلُّهُ ذَلِكَ، وَلَوْ قُلْت: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَقَاوِيلُ لَكَانَ أَقَلُّهَا تِسْعَةً، لِأَنَّهَا جَمْعُ أَقْوَالٍ، وَأَقَلُّهَا ثَلَاثَةٌ، قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَلَمْ يُوضَعْ لِلِاسْتِغْرَاقِ بِاتِّفَاقٍ، قَالَ الْإِبْيَارِيُّ: إنْ أَرَادَ ظَاهِرًا فَنَعَمْ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ قَطْعًا فَبَاطِلٌ، وَقَدْ قَالَ أَئِمَّةُ الْعَرَبِيَّةِ: إنَّ الْجَمْعَ الْقَلِيلَ يُوضَعُ مَوْضِعَ الْكَثِيرِ وَعَكْسَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ مَثَّلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار: ١٣] وَظَاهِرُهُ إلْحَاقُ أَبْنِيَةِ الْقِلَّةِ مِنْ جَمْعِ التَّكْسِيرِ بِجَمْعِ السَّلَامَةِ فِي إفَادَةِ الْعُمُومِ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي " الرَّوْضَةِ "، فَقَالَ: إنَّهَا تُفِيدُ الْعُمُومَ إذَا عُرِّفَتْ وَيَكُونُ الْعُمُومُ مُسْتَفَادًا مِنْ الْأَلِفِ وَاللَّامِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْجِنْسِ كَمَا كَانَ قَبْلَهُ فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ الْمُفْرَدَةِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأَصْفَهَانِيِّ وَالْقَرَافِيِّ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّازِيَّ فِي " الْمَحْصُولِ " وَابْنِ الْحَاجِبِ: تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِالْجَمْعِ السَّالِمِ، وَأَنَّ جَمْعَ التَّكْسِيرِ لَمَّا كَانَ لِلْقِلَّةِ لَا يُفِيدُ الِاسْتِغْرَاقَ، وَإِنْ عُرِّفَ تَعْرِيفَ جِنْسٍ، وَصَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ أَبُو نَصْرِ بْنُ الْقُشَيْرِيّ فِي كِتَابِهِ فِي الْأُصُولِ، وَجَعَلَ الِاسْتِغْرَاقَ خَاصًّا بِجَمْعِ السَّلَامَةِ إذَا عُرِّفَ قَالَ: وَإِنَّمَا حَمَلَ قَوْلَهُ: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار: ١٣] عَلَى الْعُمُومِ لِقَرِينَةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute