وَالثَّالِثُ: مَا يَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ الْعِبَادُ بِهِ، وَيَجُوزَ أَنْ لَا يَأْتُوا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ النَّسْخُ كَالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالزَّكَاةِ وَنَحْوِهَا، لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ وَالْأَمْرَ بِهِ لَا يَدْفَعُهُ الْعَقْلُ، فَجَازَ أَنْ يُوقِعَهُ اللَّهُ فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ، وَفِي مَكَان دُونَ مَكَان، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِهِ أَلْبَتَّةَ، وَلَا يَقَعُ النَّسْخُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ النَّسْخُ فِي التَّوْحِيدِ، وَلَا فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، هَذَا لَفْظُهُ.
وَهَكَذَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ فِي كِتَابِهِ: لَا يَجُوزُ النَّسْخُ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ الِاعْتِرَافِ بِرُبُوبِيَّتِهِ، وَالِامْتِثَالِ لِأَمْرِهِ، وَالِاتِّبَاعِ لِرُسُلِهِ، وَالْكُفْرِ بِالشَّيْطَانِ وَأَوْلِيَائِهِ، وَلَا فِي صِفَاتِ اللَّهِ. اهـ. وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُهُ عَنْ سُلَيْمٍ.
وَاتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى جَوَازِ زَوَالِ التَّكَالِيفِ بِأَسْرِهَا عَنْ الْمُكَلَّفِ لِزَوَالِ شَرْطِهِ كَالْعَقْلِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْهَى اللَّهُ الْمُكَلَّفَ عَنْ مَعْرِفَتِهِ سُبْحَانَهُ إلَّا إذَا جَوَّزْنَا تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ. وَاخْتَلَفُوا فِي زَوَالِهَا بِالنَّسْخِ فَمَنَعَهُ الْمُعْتَزِلَةُ، وَالْغَزَالِيُّ، لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ التَّكْلِيفَ بِمَعْرِفَةِ النَّاسِخِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيِّ حَيْثُ ذَكَرَا فِيهِ لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى مَا يَسْتَحِيلُ شَرْعًا كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ نُسِخَ وُجُوبُ الْمَكْتُوبَاتِ الْخَمْسِ أَوْ صَوْمُ رَمَضَانَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَنَّهُ يَقَعُ فِي الْحَالِ. وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ جَوَازُهُ، لِأَنَّهَا أَحْكَامٌ كَغَيْرِهَا، لَكِنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِنَا كَمَا ذَكَرْنَا عَلَى الْمَنْعِ. .
[مَسْأَلَةٌ نَسْخِ الْمُقِرُّونَ بِكَلِمَةِ التَّأْبِيدِ]
مَسْأَلَةٌ
فِي جَوَازِ نَسْخِ الْمُقِرُّونَ بِكَلِمَةِ التَّأْبِيدِ قَوْلَانِ. حَكَاهُمَا صَاحِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute