إذَا عَلِمَتْ هَذَا فَالنَّظَرُ فِي شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا: الْجَوَازُ الْعَقْلِيُّ، وَالثَّانِي: الْوُقُوعُ.
[جَوَازُ تَكْلِيفِ الْمُحَالِ]
[جَوَازُ تَكْلِيفِ الْمُحَالِ] أَمَّا الْجَوَازُ فَفِيهِ مَذَاهِبُ: أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ جَوَازُهُ مُطْلَقًا، قَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَالشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ.
وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " الشَّامِلِ " الَّذِي مَالَ إلَيْهِ أَكْثَرُ أَجْوِبَةِ شَيْخِنَا وَارْتَضَاهُ الْمُحَصِّلُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّ تَكْلِيفَ الْمُحَالِ جَائِزٌ عَقْلًا، وَكَذَلِكَ تَكْلِيفُ الشَّيْءِ مَعَ تَقْدِيرِ الْمَنْعِ مِنْهُ اسْتِمْرَارًا، وَفِي بَعْضِ أَجْوِبَتِهِ لَا يُسَوِّغُ تَكْلِيفَ الْمُحَالِ كَجَمْعِ الضِّدَّيْنِ، وَالْإِقْدَامِ عَلَى الْمَأْمُورِ بِهِ مَعَ اسْتِمْرَارِ الْمَانِعِ مِنْهُ، وَمَعَ تَحَقُّقِ الْعَجْزِ ثُمَّ لَمْ يَصِرْ فِي مَنْعِهِ إلَى التَّقْبِيحِ الَّذِي ادَّعَتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ، فَإِنَّ هَذَا الْأَصْلَ بَاطِلٌ عِنْدَنَا. وَقَالَ " الْإِرْشَادُ ": مِنْ صُوَرِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ اجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ، وَإِيقَاعُ مَا يَخْرُجُ عَنْ قَبِيلِ الْمَقْدُورَاتِ. وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا: أَنَّهُ جَائِزٌ عَقْلًا غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ. اهـ.
وَقَدْ نَصَّ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ " الْوَجِيزِ " عَلَى الْجَوَازِ، فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى الْقَائِلِينَ بِاسْتِحَالَتِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: ٢٨٦] فَقَالَ: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُحَالًا لَمَا اسْتَقَامَ الِابْتِهَالُ إلَى اللَّهِ بِدَفْعِهِ. اهـ. يَعْنِي لَوْلَا جَوَازُهُ لَمَا اسْتَعَاذُوا مِنْهُ، إذْ الِاسْتِعَاذَةُ مِنْ مُحَالٍ مُحَالٌ، وَالْخَصْمُ يَتَأَوَّلُهُ عَلَى مَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَمَشَقَّةٌ، ثُمَّ هِيَ مُعَارَضَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي صَدْرِ الْآيَةِ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute