للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْمُؤَاخَذَةُ بِمَا سَلَفَ فِي الْكُفْرِ مِنْ أَسْبَابٍ مَعْفُوٌّ عَنْهَا بِالْإِسْلَامِ بِالِاتِّفَاقِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وَقَدْ وَرَدَ مَا يُشْعِرُ بِخِلَافِهِ، وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَرَأَيْت الرَّجُلَ يُحْسِنُ الْإِسْلَامَ أَيُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَحْسَنَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ أُخِذَ بِالْأَوَّلِ وَالْآخِرِ» . قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى وَجْهَيْنِ: إحْدَاهُمَا: الْإِسَاءَةُ فِي الْإِسْلَامِ بِالشِّرْكِ فَإِنَّهُ إذَا أَشْرَكَ فِي الْإِسْلَامِ عَادَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا بَعِيدٌ، لِأَنَّا فِيهِ تَحَقَّقْنَا فِيهِ الْجُبَّ وَالْهَدْمَ بِالْإِسْلَامِ، فَلَا نَحْكُمُ بِعَوْدِهِ، وَمَا مَنَّ اللَّهُ بِهِ فَلَا رُجُوعَ فِيهِ.

وَالثَّانِي: إذَا جَنَى فِي الْإِسْلَامِ مِثْلَ جِنَايَتِهِ فِي الْكُفْرِ، فَإِنَّهُ يُعَيَّرُ بِذَلِكَ، وَيُقَالُ لَهُ: هَذَا الَّذِي كُنْت تَفْعَلُهُ فِي الْكُفْرِ، فَهَلَّا مَنَعَك مِنْهُ الْإِسْلَامُ؟ فَيَكُونُ هَذَا التَّوْبِيخُ مَعْنَى الْمُؤَاخَذَةِ.

[جُنُونُ الْكَافِرِ قَبْلَ الْبُلُوغِ يَرْفَعُ عَنْهُ الْقَلَمَ]

فُرُوعٌ الْأَوَّلُ [جُنُونُ الْكَافِرِ قَبْلَ الْبُلُوغِ يَرْفَعُ عَنْهُ الْقَلَمَ]

لَوْ جُنَّ الْكَافِرُ قَبْلَ الْبُلُوغِ كَانَ الْقَلَمُ مَرْفُوعًا عَنْهُ، وَإِنْ جُنَّ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْكُفْرِ لَمْ يَرْتَفِعْ الْقَلَمُ عَنْهُ، لِأَنَّ رَفْعَ الْقَلَمِ عَنْ الْمَجْنُونِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ رُخْصَةٌ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الرُّخْصَةِ. وَيَشْهَدُ لِهَذَا مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ قَوْلُهُمْ: إنَّ الْمُرْتَدَّ يَقْضِي الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَةِ فِي حَالِ الْجُنُونِ وَيَنْشَأُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>