[أَقْسَامُ الْكَلَامِ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعْنَى]
وَيَنْقَسِمُ الْكَلَامُ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعْنَى إلَى أَقْسَامٍ ثَلَاثَةٍ: لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُفِيدَ طَلَبًا بِالْوَضْعِ أَوْ، لَا، وَالْأَوَّلُ إنْ كَانَ الطَّلَبُ لِذِكْرِ مَاهِيَّةِ الشَّيْءِ فَهُوَ الِاسْتِفْهَامُ كَقَوْلِك مَا هَذَا؟ وَمَنْ هَذَا؟ وَإِنْ كَانَ لِتَحْصِيلِ أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ فَإِنْ كَانَ مَعَ الِاسْتِعْلَاءِ فَأَمْرٌ، أَوْ مَعَ التَّسَاوِي فَالْتِمَاسٌ، أَوْ مَعَ التَّسَفُّلِ فَدُعَاءٌ.
وَالثَّانِي: إمَّا أَنْ يَحْتَمِلَ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ الْخَبَرُ وَالثَّانِي التَّنْبِيهُ، وَيَنْدَرِجُ فِيهِ التَّمَنِّي وَالتَّرَجِّي وَالْقَسَمُ وَالنِّدَاءُ، وَيُسَمَّى الْخَبَرُ قَضِيَّةً، لِأَنَّك قَضَيْت فِيهَا بِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَيُسَمَّى الْأَوَّلُ مِنْ جُزْئَيْهَا مَحْكُومًا عَلَيْهِ، وَالْآخَرُ مَحْكُومًا بِهِ، وَالْمَنْطِقِيُّونَ يُسَمُّونَ الْأَوَّلَ مَوْضُوعًا وَالثَّانِيَ مَحْمُولًا.
ثُمَّ الْقَضِيَّةُ إمَّا كُلِّيَّةً أَوْ جُزْئِيَّةً أَوْ صَالِحَةً لَهُمَا، وَتُسَمَّى الْمُهْمَلَةُ، وَصِدْقُهَا عَلَى الْجُزْئِيِّ ضَرُورِيٌّ، فَأَمَّا صِدْقُهَا عَلَى الْكُلِّيِّ فَمَنَعَهُ الْمَنْطِقِيُّونَ.
وَأَمَّا لُغَةُ الْعَرَبِ فَتَقْتَضِي الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِالِاسْتِغْرَاقِ، وَعَلَيْهِ جَرَى الْأُصُولِيُّونَ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِ النِّدَاءِ مِنْ جُمْلَةِ أَقْسَامِ الْإِنْشَاءِ لَا شَكَّ فِيهِ، وَزَعَمَ ابْنُ بَابْشَاذَ النَّحْوِيُّ أَنَّ قَوْلَهُمْ فِي الْقَذْفِ: يَا فَاسِقُ يَا زَانِي مِمَّا يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ، وَغَلَّطُوهُ بِأَنَّ التَّكْذِيبَ لَا يَرِدُ عَلَى النِّدَاءِ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ نِدَاءِ الِاسْمِ وَالصِّفَةِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حَقِيقَةِ التَّذْكِيرِ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تِلْكَ الصِّفَةُ نَفْسُهَا، وَذَلِكَ غَيْرُ النِّدَاءِ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ بَرْهَانٍ: فِي " الْغُرَّةِ " إذَا نَادَيْت وَصْفًا فَالْجُمْلَةُ خَبَرِيَّةٌ، وَإِذَا نَادَيْت اسْمًا فَالْجُمْلَةُ لَيْسَتْ بِخَبَرِيَّةٍ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: يَا زَانِيَةُ وَجَبَ الْحَدُّ. نَعَمْ اخْتَلَفُوا فِي نَاصِبِ الْمُنَادَى، فَقِيلَ: فِعْلٌ مُضْمَرٌ أَيْ أَدْعُو زَيْدًا، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إخْرَاجُ النِّدَاءِ إلَى بَابِ الْإِخْبَارِ الَّذِي يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ، وَقِيلَ: الْحَرْفُ، وَهُوَ " يَا "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute