للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ صَارَ بَدَلًا مِنْ الْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا أُمِيلَتْ.

وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ: " يَا " اسْمُ فِعْلٍ فَنَصَبَتْ كَنَصْبِهِ، لِأَنَّ " يَا " اسْمٌ لِقَوْلِك أُنَادِي كَمَا أَنَّ " أُفٍّ " اسْمٌ لِقَوْلِك: أَتَضَجَّرُ، وَرُدَّ بِأَنَّ " أُنَادِي " خَبَرٌ وَلَيْسَ " يَا " بِخَبَرٍ، وَمِنْ شَرْطِ اسْمِ الْفِعْلِ أَنْ يُوَافِقَهُ فِي قَبُولِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَعَدَمِهِ. وَقَدْ خَطَّأَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي تَفْسِيرِهِ فِي أَوَائِلِ الْبَقَرَةِ مَنْ فَسَّرَ قَوْلَنَا: يَا زَيْدُ بِأُنَادِي مِنْ وُجُوهٍ، حَاصِلُهَا يَرْجِعُ إلَى أَنَّ " يَا زَيْدُ " إنْشَاءٌ، وَقَوْلُنَا أُنَادِي خَبَرٌ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَصَلَحَ قَوْلُنَا: " يَا زَيْدُ " أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِعَمْرٍو كَمَا صَلَحَ قَوْلُنَا: أُنَادِي زَيْدًا لِذَلِكَ. وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ " أُنَادِي " الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى " يَا زَيْدُ " خَبَرٌ، وَإِنَّمَا هُوَ إنْشَاءٌ، نَعَمْ: الْخَبَرُ الَّذِي هُوَ أُنَادِي زَيْدًا لَيْسَ هُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى.

وَأَجَابَ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ الْمُرْسِيُّ بِأَنَّ الْخَبَرَ قَدْ يُنْقَلُ مِنْ الْخَبَرِيَّةِ إلَى الْإِنْشَائِيَّةِ كَأَلْفَاظِ الْعُقُودِ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا اسْتِحْدَاثُ الْأَحْكَامِ بِأَنَّهَا بَعْدَ نَقْلِهَا إلَى الْإِنْشَاءِ لَمْ تَبْقَ تَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، فَكَذَلِكَ هَذَا وَكُلُّ هَذَا غَفْلَةٌ عَنْ تَحْقِيقِ الْمَحْذُوفِ فِي الْمُنَادَى، وَسِيبَوَيْهِ لَمْ يُقَدِّرْ " يَا زَيْدُ " بِأُنَادِي زَيْدًا، بَلْ قَدَّرَهُ " يَا أُنَادِي زَيْدًا " كَأَنَّ " يَا " أَوَّلًا تَنْبِيهٌ غَيْرُ خَاصٍّ يُمْكِنُ أَنْ يَتَنَبَّهَ بِهِ مَنْ سَمِعَهُ، فَبَيَّنَ الْمُنَبَّهُ بَعْدَ هَذَا التَّنْبِيهِ غَيْرِ الْخَاصِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>