الشَّهْرِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ زَمَانٍ: إذَا كَانُوا حَرْبِيِّينَ، ثُمَّ قَالَ: إذَا كَانُوا رِجَالًا، وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، وَمِنْهُمْ الْقَاضِي، لِأَنَّ الدَّالَّ عَلَى جَوَازِ التَّأْخِيرِ دَالٌّ عَلَى جَوَازِ التَّدْرِيجِ، وَعَلَى هَذَا فَيَجِيءُ مَا سَبَقَ فِي الْعَامِّ مِنْ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يَحْكُمُ بِاللُّزُومِ إلَى أَيِّ زَمَنٍ.
وَالثَّانِي: الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ فِي الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ، وَأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْأَوَّلِ يُشْعِرُ بِانْحِصَارِ التَّخْصِيصِ فِيهِ، لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ قَصَدَ بَيَانَ الْمُشْكِلِ، فَاقْتَضَى الْحَالُ إكْمَالَهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِبْهَامَ فِي تَأْخِيرِ الْبَيَانِ أَكْثَرُ، وَلَمْ يَمْتَنِعْ.
وَالثَّالِثُ: يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمُجْمَلِ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْعُمُومِ، كَالْخِلَافِ فِي الْبَيَانِ الْأَوَّلِ.
وَالرَّابِعُ: يَجُوزُ إذَا أَعْلَمَ صَاحِبُ الشَّرِيعَةِ الْمُكَلَّفَ أَنَّ فِيهِ بَيَانًا مُتَوَقَّعًا، فَأَمَّا إذَا اتَّصَلَ الْبَيَانُ بِالْمُكَلَّفِينَ مِنْ غَيْرِ إشْعَارٍ وَإِعْلَامٍ فِي مَوْقِعِ الْبَيَانِ، فَلَا يَتَرَتَّبُ بَيَانٌ آخَرُ.
[مَسْأَلَةٌ هَلْ يَجُوزُ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأْخِيرُ تَبْلِيغِ مَا أُوحِيَ إلَيْهِ مِنْ الْأَحْكَامِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ]
وَأَمَّا الْمَانِعُونَ لِلتَّأْخِيرِ فَاخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ لِلرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَأْخِيرُ تَبْلِيغِ مَا أُوحِيَ إلَيْهِ مِنْ الْأَحْكَامِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ؟ فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إلَى الْجَوَازِ مُتَمَسِّكِينَ بِأَنَّ وُجُوبَ مَعْرِفَتِهَا إنَّمَا هُوَ لِوُجُوبِ الْعَمَلِ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا، وَلَا عَمَلَ قَبْلَ الْوَقْتِ، فَلَا يَجِبُ تَبْلِيغُهَا. وَمَنَعَهُ الْأَقَلُّونَ مُتَمَسِّكِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: ٦٧] وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْفَوْرِ، وَبِأَنَّ الْمُرَادَ: الْقُرْآنُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ. وَحَكَى صَاحِبُ الْمَصَادِرِ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُنَزَّلُ قُرْآنًا وَجَبَ تَبْلِيغُهُ فِي الْحَالِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ انْتِشَارُهُ وَإِبْلَاغُهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ قُرْآنٍ لَمْ يَجِبْ تَعْجِيلُ التَّبْلِيغِ، وَرَدَّهُ لِأَنَّ حَالَ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ فِيمَا أُوحِيَ إلَيْهِ سَوَاءٌ.
الثَّانِيَةُ: فِي جَوَازِ سَمَاعِ الْمَخْصُوصِ بِدُونِ مُخَصِّصِهِ، فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute