وَالْجُمْهُورُ عَلَى إمْكَانِهِ. وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْحُكْمَيْنِ غَيْرُ مُتَنَافِيَيْنِ لِذَاتِهِمَا، فَلَا جَرَمَ يَصِحُّ اجْتِمَاعُهُمَا فِي الْأَصْلِ، لَكِنْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى امْتِنَاعِ اجْتِمَاعِهِمَا فِي الْفَرْعِ، فَإِذَا أَثْبَتَ الْقَالِبُ الْحُكْمَ الْآخَرَ فِي الْفَرْعِ بِالرَّدِّ إلَى الْأَصْلِ وَشَهَادَةِ اعْتِبَارِهِ امْتَنَعَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ فِيهِ. وَأَحَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إشْعَارَ الْوَصْفِ الْوَاحِدِ بِحُكْمَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ، فَمَنَعَ الشَّارِحُ الْإِبْيَارِيُّ التَّنَاقُضَ بَيْنَ حُكْمَيْ الْعِلَّةِ وَقَلْبِهَا فِي الثَّانِي، وَاسْتَدَلَّ عَلَى عَدَمِ التَّنَاقُضِ بِاجْتِمَاعِ الْحُكْمَيْنِ فِي الْأَصْلِ. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: وَالصَّوَابُ مَنْعُ الْإِمَامِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَوَاضِعِ الْمُسْتَدِلِّ وَالْقَالِبِ، لِأَنَّهُمَا تَوَاضَعَا عَلَى أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي الْفَرْعِ وَلَا يَرْتَفِعَانِ عَنْهُ، فَهِيَ مُنَاقَضَةٌ بِالْمُوَاضَعَةِ، لَا بِالْحَقِيقَةِ. لَكِنْ لَا أُصَوِّبُ قَوْلَهُ: إنَّ الْوَصْفَ الْوَاحِدَ لَا يُشْعِرُ بِمُتَنَاقِضَيْنِ، فَإِنَّهُ قَدْ يُشْعِرُ بِهِمَا، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [البقرة: ٢١٩] غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْوَفَاءَ بِالْحُكْمَيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ، فَتَعَيَّنَ أَحَدُهُمَا بِالتَّرْجِيحِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: ٢١٩] فَنَبَّهَ عَلَى رُجْحَانِ الْمَفْسَدَةِ.
[هَلْ الْقَلْب قَادِحٌ أَمْ لَا]
الثَّالِثُ - فِي أَنَّهُ قَادِحٌ أَمْ لَا:
وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ: فَقِيلَ: هُوَ إفْسَادُ الْعِلَّةِ مُطْلَقًا، فَلَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ بِهَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَنَقَلَ تَسْلِيمَ الصِّحَّةِ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْجَامِعَ دَلِيلٌ، وَالْخِلَافُ فِي أَنَّهُ دَلِيلٌ لِلْمُسْتَدِلِّ أَوْ عَلَيْهِ، وَهَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ مَنْ يُسَمِّيهِ (مُعَارَضَةً) ، فَإِنَّ الْمُعَارَضَةَ لَا تُفْسِدُ الْعِلَّةَ، فَلَا يَمْنَعُ مِنْ التَّعَلُّقِ بِهَا حَتَّى يَثْبُتَ رُجْحَانُهَا مِنْ خَارِجٍ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ. وَقِيلَ: إنَّهُ تَسْلِيمٌ لِلصِّحَّةِ، عَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute