وَظَاهِرُ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَازِمٌ جَدَلًا لَا دَيْنًا، وَلِهَذَا قَالَ: تَلْتَبِسُ فِيهِ الْحُظُوظُ الْمَعْنَوِيَّةُ بِالْمَرَاسِمِ الْجَدَلِيَّةِ، بِخِلَافِ الْمُعَارَضَةِ فَإِنَّهَا مُنَاقَضَةٌ دَيْنًا وَجَدَلًا. وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ حُجَّةٌ قَادِحَةٌ فِي الْعِلَّةِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ مِنْ أَلْطَفِ مَا يَسْتَعْمِلُهُ النَّاظِرُ. وَسَمِعْت الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ الطَّبَرِيَّ يَقُولُ: إنَّ هَذَا الْقَلْبَ إنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا حَيْثُ اسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» فِي مَسْأَلَةِ السَّاحَةِ، قَالَ: فِي هَدْمِ الْبِنَاءِ ضَرَرٌ بِالْغَاصِبِ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُنَا: وَفِي مَنْعِ صَاحِبِ السَّاحَةِ مِنْ سَاحَتِهِ، إضْرَارٌ. فَقَالَ: يَجِبُ أَنْ يَذْكُرَ مِثْلَ هَذَا فِي الْقِيَاسِ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لَا يَصِحُّ سُؤَالُ الْقَلْبِ. قَالَ: وَهُوَ شَاهِدُ زُورٍ، يَشْهَدُ لَكَ وَيَشْهَدُ عَلَيْك، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إلَّا فَرْضُ مَسْأَلَةٍ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ، وَلَيْسَ لِلسَّائِلِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ، وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ الْقَالِبَ عَارَضَ الْمُسْتَدِلَّ بِمَا لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ دَلِيلِهِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ عَارَضَهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ. وَقِيلَ: هُوَ بَاطِلٌ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْأَوْصَافِ الطَّرْدِيَّةِ.
وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ: الْقَلْبُ سُؤَالٌ صَحِيحٌ يُوقِفُ الِاسْتِدْلَالَ بِالْعِلَّةِ وَيُفْسِدُهَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ وَشَيْخُنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ يَقُولَانِ: هُوَ مُعَارَضَةٌ وَأَنَّهُ لَا يُفْسِدُ الْعِلَّةَ. قَالَ: وَعِنْدِي فِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّ الْقَلْبَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: قَلْبٌ بِجَمِيعِ أَوْصَافِ الْعِلَّةِ. فَهَذَا يُفْسِدُ الْعِلَّةَ الْمَقُولَ بِهَا، لِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِلْعِلَّةِ تَعَلُّقٌ بِالْحُكْمِ الَّذِي تَعَلَّقَ عَلَيْهَا وَاخْتِصَاصٌ بِحَيْثُ لَا يَصِحُّ تَعَلُّقُ الضِّدِّ بِهَا، فَإِذَا بَيَّنَ السَّائِلُ صِحَّةَ أَنْ يُعَلِّقَ عَلَيْهَا ضِدَّهُ خَرَجَتْ عَنْ أَنْ تَكُونَ عِلَّةً، كَقَوْلِنَا فِي أَنَّ الْخِيَارَ فِي الْمَبِيعِ يُورَثُ، فَإِنَّ الْمَوْتَ مَعْنًى يُزِيلُ التَّكْلِيفَ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُبْطِلَ الْخِيَارَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute