كَالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ. فَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ: أَقْلِبُ هَذِهِ الْعِلَّةَ فَأَقُولُ: إنَّ الْمَوْتَ مَعْنًى يُبْطِلُ التَّكْلِيفَ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَنْقُلَ الْخِيَارَ إلَى الْوَارِثِ، كَالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ.
ثَانِيهِمَا: الْقَلْبُ بِبَعْضِ الْأَوْصَافِ: فَهَذَا هُوَ مُعَارَضَةٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا لِأَنَّ لِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا جَعَلْتُ الْعِلَّةَ جَمِيعَ الْأَوْصَافِ، فَإِذَا قَلَبَ بِبَعْضِهَا فَلَمْ تَفْسُدْ الْعِلَّةُ إنَّمَا جِئْتُ بِأُخْرَى. كَقَوْلِ الْمَالِكِيِّ فِي ضَمِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الزَّكَاةِ: مَالَانِ زَكَاتُهُمَا رُبُعُ الْعُشْرِ بِكُلِّ حَالٍ، فَيُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ، كَالصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ، فَيَقُولُ الشَّافِعِيُّ: أَقْلِبُ الْعِلَّةَ وَأَقُولُ: مَالَانِ زَكَاتُهُمَا رُبُعُ الْعُشْرُ بِكُلِّ حَالٍ فَلَمْ يُضَمَّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ بِالْقِيمَةِ، كَالصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ.
وَنُقِلَ فِي " الْمَنْخُولِ " عَنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ مَرْدُودٌ وَلَيْسَ مُعَارَضَةً، فَإِنَّ شَرْطَهُمَا التَّعَارُضُ فِي نَفْسِ الْحُكْمِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ نَوْعُ مُعَارَضَةٍ، إذْ مُحَالٌ أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ مِنْ جِهَتَيْنِ، لِاشْتِرَاكِ الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ، فَكَانَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ، وَلِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ هِيَ أَبَدًا مَعْنًى فِي الْأَصْلِ أَوْ الْفَرْعِ، أَوْ دَلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ يَقْتَضِي خِلَافَ مَا ادَّعَاهُ الْمُسْتَدِلُّ. وَهَذَا الْوَصْفُ كَذَلِكَ. فَعَلَى هَذَا لِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ يَمْنَعَ حُكْمَ الْقَالِبِ فِي الْأَصْلِ، وَأَنْ يَقْدَحَ فِي الْعِلَّةِ بِالنَّقْضِ وَعَدَمِ التَّأْثِيرِ وَالْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ إذَا أَمْكَنَهُ. وَفِي جَوَازِ قَلْبِ قَلْبِهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا، حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ:
أَحَدُهُمَا: الْجَوَازُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُعَارَضَةٌ، فَإِذَا قَلَبَهُ عَلَى الْقَالِبِ صَارَ شَاهِدًا لَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ، وَلِلْقَالِبِ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، فَيَتَرَجَّحُ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: الْمَنْعُ، وَرَجَّحَهُ الْبَاجِيُّ، لِأَنَّهُ نَقْضٌ، وَالنَّقْضُ لَا يَصِحُّ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute