كَوْنِ الدِّبَاغِ يُطَهِّرُ الْجِلْدَ مُطْلَقًا. وَخَرَجَ بِهِ عِنْدَنَا جِلْدُ الْكَلْبِ، وَكَانَ الْمَعْنَى مِنْهُ أَنَّا وَجَدْنَا الْمُنَاسَبَةَ خَاصَّةً بِجِلْدِ مَا كَانَ طَاهِرًا قَبْلَ الْمَمَاتِ، لِأَنَّ تَأْثِيرَ الدِّبَاغِ فِي رَدِّ الْجِلْدِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فَيَعُودُ طَاهِرًا، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي حَقِّ الْكَلْبِ. وَقَضَى أَبُو حَنِيفَةَ بِطَهَارَتِهِ بِالدِّبَاغِ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِطَهَارَتِهِ حَالَ الْحَيَاةِ.
فَإِنْ قِيلَ: إدَارَةُ الْحُكْمِ عَلَى الْمُنَاسَبَةِ فِي الْوَصْفِ الْمُومَأِ إلَيْهِ حَتَّى سَارَ الْقَوْلُ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ يُنَاقِضُ أَصْلَكُمْ فِي مَنْعِ إرْثِ كُلِّ قَاتِلٍ، بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ» مَعَ أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ خَاصَّةٌ، وَهِيَ الْمُعَارَضَةُ لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ فِي اسْتِعْجَالِ الْمِيرَاثِ، فَيَخْرُجُ الْقَتْلُ الْمُبَاحُ وَالْوَاجِبُ، وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِهِ.
قُلْنَا: الْمُنَاسَبَةُ خَاصَّةٌ - كَمَا ذَكَرْتُمْ - لَكِنَّهَا مُعَارَضَةٌ بِقَوْلِ مَنْ مَنَعَ الْقَاتِلَ مُطْلَقًا أَنَّ الْإِرْثَ اضْطِرَارِيٌّ، وَلَوْ حَصَلَ بِالْقَتْلِ لَكَانَ كَسْبِيًّا، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْقَتْلُ يَمْنَعُ الْمُوَالَاةَ فَيَمْنَعُ الْإِرْثَ كَالرِّقِّ وَالْكُفْرِ. وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْمُنَاسَبَاتُ تَسَاقَطْنَ وَلَمْ يُعْمَلْ بِإِحْدَاهَا، وَرَجَعَ إلَى عُمُومِ الْحَدِيثِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمُنَاسَبَاتِ. عَلَى أَنَّ أَصْلَ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ وَإِنْ ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الشِّفَاءِ " فَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ. وَيُشْكِلُ مَا سَمَّاهُ زِيَادَةً، فِي مَسْأَلَةِ الْقَاضِي، مِنْ قِيَاسِ التَّمْثِيلِ، وَمَا سَمَّاهُ نُقْصَانًا عَنْ عُمُومِ الْخَبَرِ فَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى مُعَارِضٍ أَمَّا لِعَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ فَلَا.
[الْمَسْلَكُ الرَّابِعُ الِاسْتِدْلَال عَلَى عِلِّيَّةِ الْحُكْمِ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]
وَهَذَا مِمَّا أَهْمَلَهُ أَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ. وَقَدْ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ ". وَصُورَتُهُ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا بَعْدَ وُقُوعِ شَيْءٍ، فَيُعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي وَقَعَ. وَوُقُوعُ ذَلِكَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَأَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute